ممدوح طه
لا حديث لشعوب العالم الآن إلا عن الرئيس الأميركي القادم «باراك حسين أوباما» وما أطلقه فوزه الكاسح على مواريث عنصرية وطبقية واستعلائية من أحلام أميركية وآمال عالمية، وسط فيض من محاولة قراءة الشخصية وتحليل الأجندة السياسية ورصد حذر لتشكيلة إدارته القادمة.
وعن مدى ما يمكن أن يحمله هذا القادم الجديد من خارج المسار الأميركي التقليدي من طموحات أو توجهات، ليس فقط لتغيير ملامح مجتمع أميركي بأكمله في عهده الجديد بالعودة إلى القيم الأميركية الأصلية التي حملتها وثيقة الاستقلال الأميركية المناهضة للاستعمار والاستغلال والعنصرية والمبشرة بالحقوق الإنسانية كالمساواة والعدالة والحرية.
بل أيضا بالأمل في قدرته على تغيير مجتمع عالمي بأكمله في عصره الجديد بالعودة إلى عالم تتساوى فيه الدول بلا هيمنة لدولة ولا انفراد بتقرير مصير العالم، ولا احتلال أو استعمار جديد كما حدث في العراق، ولا حماقة للقوة أو جنون كما يحدث في أفغانستان وباكستان.
ولا إرهاب دولي باسم الحرب على الإرهاب الفردي ، ولا جرائم ضد الإنسانية بالطائرات والصواريخ الأميركية ضد المدنيين العزل في الصومال أو سوريا، ولا جوانتامو ولا أبو غريب، باسم تطبيق حقوق الإنسان، ولا تنكر لنتائج الديمقراطية الوطنية بمعاقبة الشعب الفلسطيني ومحاصرة غزة وحماس باسم الديمقراطية، ولا ظلم للعرب والمسلمين أو انحياز للظالمين ضد المظلومين خصوصا في فلسطين!!
لكن يبدو أن الناس في غمرة فرحهم بغروب شمس الإدارة الراحلة بكل ما عليها من عدوا نية و أمية وغطرسة وغباء، قد أطلقت العنان لآمالها متناسية أن الإدارة القادمة بإرادتها الجديدة مهما امتلكت من نوايا تبدو طيبة ومبشرة لا تملك إحداث التغيير الأميركي بالسرعة المنتظرة ولا بالمدى المطلوب كما يتمناه الناس وخاصة فى العالم العربي والإسلامي لأسباب واقعية كثيرة.
أولها أن أوباما بشعبيته الأميركية وبثقافته ودراسته الحقوقية وحتى بمثاليته لا يملك عصا سحرية برغم أن صعوده التاريخي يكاد أن يكون قد حدث بطريقة سحرية وعليه أولا إعادة ترميم البيت الأميركي ثم إعادة ترتيبه بدءا بحسن اختيار إدارته، وإن كان أولها «إيمانويل» لايبشر بخير، ثم تحديد أولوياته الداخلية التي يدرك هو أنها لن تحل إلا بشراكة عالمية متساوية، وعلاقات دولية متوازنة .
وثانيها أن السفينة الأميركية العملاقة والمثقلة بحمولتها وأعطالها الفنية وطيش قائدها المنتهية قيادته قد أفقدها توازنها مع بقايا قوة اندفاعها، الأمر الذي لا يتيح لربانها القادم بافتراض نواياه الطيبة وكفاءته الذهنية وبكل معاونيه أن يغير اتجاه سفينة مثقوبة غمرتها المياه ومالت على جانبها الأيمن بمناورة عكسية سريعة مباشرة نحو الاتجاه الأيسر وإلا غرقت السفينة بجانبيها !
لذا تبقى مهمته الأولى سد الثقوب وتفريغ المياه التي تجنح بها وإعادة توازنها، والشروع في السير بها بخريطتها الجديدة وصولا لموانيها المحددة، والمشكلة الكبرى أن الموج ما زال هائجاً والثقب في السفينة ليس واحداً ولا صغيراً !
لهذا أخشى ما أخشاه ألا يكون أوباما على قدر كل هذه الآمال ذاتياً أو موضوعياً فيصدم الناس، حين يضطر الربان الجديد، في غياب أية أمواج عربية، إلى الجنوح في الميناء الإسرائيلي تجنباً للموجة الصهيونية، أو إلى الغرق في المستنقع الأفغاني بدلاً من العراقي بركوب موجة «الحرب على الإرهاب»! ويبقى أمامه أحد خيارين إما تعويم السفينة الجانحة بركابها وإما إغراقها أكثر لإنقاذ بعض الركاب ! .<