ممدوح طه
أتصور أن أول قرار يجب أن يتخذه الرئيس أوباما بشجاعة إذا أراد تصحيح صورة الولايات المتحدة وإنقاذ سمعتها السيئة فى المجال السياسي وفى مجال حقوق الإنسان هو سحب القوات الأميركية من العراق وعدم التورط أكثر فى أفغانستان والتعامل النزيه لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، وإغلاق معتقل غوانتانامو والسجون السرية فى أوروبا..
فلم تصل سمعة الولايات المتحدة في الحضيض لدى القطاع العريض من شعوب العالم إلا لأن إدارة بوش المتعثرة والمستكبرة التي تدنت إلى آخر درجات السلم فى رصيد الشعبية غالبا والحكمة أحيانا، نادرا ما امتلكت شجاعة التراجع، بل أصرت على المكابرة، وهذا ما فعلته الوزيرة رايس عندما لم تعترف بالفشل السياسي فى القضية الفلسطينية، مثلما فشلت الرباعية الدولية في فعل شيء فى اتجاه السلام سوى الهروب للأمام بترحيل أى فعل من أجل السلام للعام القادم!
وقد اعترفت تلك الإدارة الراحلة تحت ضغط الرأي العام العالمي بالوقوع في أخطاء ما بعد الاحتلال، مثلما اعترف بوش بانتهاك قواته لحقوق الإنسان في العراق، فقط بعد ما واجه في بلاده موجة من الانتقادات مع حليفه «بلير» الذي واجه هو الآخر فى بلاده عاصفة من الاحتجاجات، ببعض الأخطاء ومن قوله «إن ما حدث من تعذيب فى أبو غريب هوأكبر خطأ أميركى»، متجاهلا أن قراره بغزو العراق ومن قبله أفغانستان كان هو الخطيئة الكبرى التي حملت بلاده العظيمة من العار ما لا تستحق.بعدما ثبت أن الاحتلال هو أعلى مراحل الإرهاب.
إن ما ظهر من فضائح فى أبو غريب بعد غوانتانامو هي فقط أعلى قمة جبل الجليد المشينة التي شوهت صورة الولايات المتحدة ومرغت سمعتها في الوحل ليس فى نظر شعوب الوطن العربى والعالم الإسلامى فقط، بل في نظر العالم كله، سواء لدى منظمات المدافعين عن حقوق الإنسان الأوروبيين و الأميركان، أو سائر المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، ومنظمة العفو الدولية.
وأصبح ماكشفت عنه الصحافة الأميركية والأوروبية الحرة من فضائح يثير مشاعر الاشمئزاز بعد ما تكشف من جرائم وانتهاكات أميركية لحقوق الإنسان ولمباديء القانون الدولى والقيم والأعراف الإنسانية فى «باجرام» بعد احتلال أفغانستان، وفى «أبو غريب» بعد احتلال العراق، وفى «غوانتانامو» على القاعدة الأميركية على الجزء المحتل من الجزيرة الكوبية.!
تواتر الانتهاكات الإجرامية فى أفغانستان الإسلامية أو في العراق العربية لقوات الاحتلال الأميركية، وانكشاف التعذيب في السجون السرية الأميركية في القارة الأوروبية وللأسف فى بعض الدول العربية، وتوالى فضحها والاحتجاج عليها بواسطة الشرفاء في وسائل الإعلام العالمية، بقدر ما قدمت نموذجا «لإرهاب الدولة»، وبقدر ما ثبتت الصورة الحقيقية والواقعية أمام الرأي العام العالمي للاحتلال باعتباره أعلى مراحل الإرهاب، وكشفت زيف ما روجته وسائل الدعاية الأميركية والتابعة لها بتبرير الاحتلال باعتباره ضروريا فى إطار ما يسمى ب«الحرب على الإرهاب».!
إن الإدارة التي اختطفت إلى غوانتانامو أسرى حرب «مشتبه بهم» خارج نطاق القوانين المحلية والدولية، فقط بقانون جبروت القوة دون محاكمة عادلة،. هي نفسها الإدارة التي أفرجت عن العشرات منهم بعدما عجزت تلك الإدارة عن العثور على أية أدلة تمكنها من توجيه تهمة الإرهاب لهم أو حتى استمرار ظنون الاشتباه. وكان الإفراج عنهم لايعنى إلا حقيقة واحدة هي أنهم أبرياء.