كثيرون يتساءلون عن السرية التي كانت تقصدها وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني في اجتماع الرباعية بشرم الشيخ المصرية مؤخرا واتخذت من تلك السرية سببا لعدم الرغبة الاسرائيلية في توسيع دائرة الحوار حول الصراع العربي الاسرائيلي وعقد مؤتمرات دولية موسعة حول سبل حل ذلك الصراع ، ومن ذلك معارضة اسرائيل والولايات المتحدة على السواء لانشاء مؤتمر حول سلام الشرق الاوسط في موسكو خلال ربيع العام القادم. وأمام الضغوط الدولية اذعنت الدولتان اخيرا وقبلتا على استحياء امكانية انعقاد هذا المؤتمر الذي يتوقع الكثيرون ان يكون اكثر انصافا للمظلومين في القضية وهو الشعب الفلسطيني ، لكون الراعي للمؤتمر وهو روسيا سيكون خارج نطاق التأثير الاسرائيلي القوي ليس كما هو الحال في واشنطن.
السرية المطلوبة اسرائيليا عبرت عن نفسها في غزة اخيرا بعد ونقصد به الغارة التي راح ضحيتها اربعة شهداء وكذلك الاستمرار في اعتصار وخنق القطاع بذريعة مقاومة التطرف الذي تمثله حماس لصالح (الاعتدال) الذي تمثله السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله .
السرية هنا هي اللعب على التناقضات العربية لتحقيق الهدف الاسرائيلي ، اي القضاء على فئة من اصحاب القضية بمساعدة فئة اخرى من اصحاب القضية ايضا وحين يتم القضاء على الفئة المستهدفة يتم التحول إلى القضاء على الفئة الاخرى التي تكون قد اضعفت نفسها بالتضحية برفقاء السلاح تحت تأثير موجات الوقيعة التي لا تهدأ بين الجانبين الفلسطينيين .
السرية هنا هي المنفعة الاسرائيلية التي لا تحبذ اسرائيل الكشف عن تفاصيلها حتى لا تتقطع خيوط المؤامرة على مذبح (العلانية) أو لمزيد من الاغراء اسموها (الشفافية) تلك العلانية التي تخشى اسرائيل ان يتم تناولها في مؤتمر موسكو ، فمن الواضح ان روسيا تدخل على خط الاحداث في الشرق الاوسط بعقلية جديدة منفتحة على كل التيارات ، فهي تتباحث مع حماس رغم ان الاخيرة مصنفة كتيار عقائدي يمثل اليمين الاسلامي ، بينما التاريخ السياسي لروسيا المعاصرة يشير إلى انها تتقارب في العالم مع تيار اليسار. . ويؤكد ذلك تقارب روسيا مع يمين آخر في ايران . هذا ما يخيف اسرائيل من احتمالات جنوح مؤتمر موسكو المرتقب إلى الشفافية ، فالروس يرغبون بشدة في انجاح مؤتمر موسكو ولذلك سيكون احد اسلحتهم خرق هذه السياجات من السرية التي تحكم القبضة عليها حتى الآن كل من واشنطن وتل ابيب .
أمام هذا الاستئساد الاسرائيلي على غزة فيمكن فهمه من خلال السياسة العدوانية الاسرائيلية المستمرة منذ زمن بعيد. . اما ما لا يمكن فهمه فهو حالة الصمت المشين من جانب حضور مؤتمر الرباعية الاخير في شرم الشيخ الذين اكدوا على ضرورة وقف الاعتداءات الاسرائيلية ووقف الاستيطان حتى يمكن حل القضية ، ثم يواجهون كل يوم اعتداءات وتطاول على الشرعية وانتهاكا لكل المعايير والقيم الانسانية ثم لا يحركون ساكنا . . اذا سياج السرية الذي تحرص عليه اسرائيل هو الذي يوفر ردا (سريا) لهؤلاء ، وربما يجدون دائما من يهمس في اذنهم : اصمتوا .. اننا نحارب الارهاب العالمي وليس الفلسطينيين .