عدنان بگرية
فوز السيد أوباما يمكن اعتباره انقلابا أمريكيا داخليا وربما نزوة شعبية أمريكية تنشد التغيير على المستوى الداخلى بعد تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية هناك وليس له تأثير ملموس على مجمل السياسة الخارجية الأمريكية التي تعتمد على إطباق الهيمنة والسيطرة على العالم واقتصاده وقدراته!
يخطئ من يظن بأن أوباما سيقلب التاريخ ويغير السياسة الأمريكية الخارجية لأن تغيير هذه السياسة يعنى تغيير مكانة أمريكا كدولة مهيمنة ومسيطرة على العالم وأوباما ليس بذلك الإنسان الذي يجازف بموقع أمريكا ومكانتها في العالم كما حصل للرئيس السوفييتى في مطلع التسعينات "ميخائيل غورباتشوف" والذي قاده التغيير إلى تفكيك الاتحاد السوفييتى وإنهاء حلف "وارسو" كقوة ندية للولايات المتحدة وحلفائها!
نحن العرب عاطفيون إلى حدود عدم رؤيتنا وقراءتنا الواقع الأمريكى والعالمى وهذه المرة تقودنا عاطفتنا للمراهنة على تغيير قد يجيء به اوباما وكأنه يحمل عصا سحرية!
ستون عاما مضت على نكبة شعبنا واحتلال اسرائيل لأراضينا ونحن ننتظر أن تتغير سياسة البيت الأبيض... فكلما جاء رئيس أمريكى جديد نطير فرحا ونصفق ونراهن عليه.. حتى باتت قضيتنا قضية رهانات وانتظار على محطات الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية!! وما أن يتسلم الرئيس الجديد مهامه نصاب بالإحباط وخيبة الأمل!!
آن الأوان لأن نصحو من غفوتنا ونستفيق من كبوتنا ونعرف ان التغيير الحقيقى نصنعه نحن وليست الإدارة الأمريكية.. التغيير الحقيقى يتولد من إرادتنا وقوتنا وقدرتنا على الصمود وبالأساس يأتى من وحدتنا والإصرار على انتزاع حقوقنا!..
قبل أن نفرط بالتفاؤل ونصفق للتغيير في شخوص الإدارة الأمريكية ،علينا أن نأخذ الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى: الرئيس الامريكى وأى رئيس يعتبر قطعة في ماكنة الإدارة الأمريكية التي يديرها مئات المستشارين والمعاونين وهو ليس أكثر من واجهة لهذه الإدارة ومعبر عن رؤيتها واستراتيجيتها..
الحقيقة الثانية: ان أى مرشح رئاسى امريكى لا يمكنه كسب ثقة حزبه في الترشح اذا لم يلتزم بمسلمات سياسية واستراتيجية امريكية وفي مقدمتها الحفاظ على الأمن القومى الأمريكى والذي يعنى الحفاظ على مكانة امريكا العالمية ومكافحة "الإرهاب" أى انتهاج سياسة الحرب في التصدى لأية دولة تخرج عن طوع أمريكا كما حصل في العراق وأفغانستان!
الحقيقة الثالثة: ان أى رئيس امريكى تتضاءل فرص فوزه اذا هو لم يحظ بالتأييد الكامل للوبى الصهيونى الامريكي، لذا لمسنا في خطاب اوباما التعاطف مع اسرائيل والحرص على أمنها وحقها في الدفاع عنه!! في المقابل لم نسمع لاوباما خطابا يتناول فيه القضايا العربية إلا الخطاب الشامل عن السلام والاستقرار لكنه لم يحدد أسس السلام في الشرق الأوسط.
الحقيقة الرابعة: اوباما تذاكى لكسب تأييد قوى رأس المال الأمريكى فهو حرص على عدم المساس بهذه الطبقة المسيطرة على الاقتصاد والسياسة الامريكية..
الحقيقة الخامسة: لم يكن اوباما ليحظى بالتأييد لو لم يكسب تأييد البنتاغون "بيت الحرب" الامريكى إزاء السياسات الخارجية والعسكرية الامريكية وبالتحديد فيما يخص العراق وايران وتعاطى امريكا مع "محور الشر"!! وفيما يخص فنزويلا وكوبا وبعض الدول في امريكا اللاتينية! وفيما يتعلق بروسيا والصين والعلاقات المتوترة بينهما!
اوباما استطاع وبذكاء تجيير هذه العوامل لصالحه ويجتاز عقدة بشرته السوداء وانتمائه العرقي.. فالشعب الامريكى ليس بذلك الشعب الذي يقبل برئيس اسود، لكن وكما يبدو فإن الأزمات الاقتصادية الداخلية المتفاقمة ساقت الشعب الامريكى للقبول بالتغييرات التي وعد بها "باراك اوباما" وجعلته، أى الشعب، يقفز عن عقدة العرق والأصول!..
ان ما يهمنا نحن العرب المتفائلين هو ارتداد فوز اوباما على القضايا العربية وبالتحديد القضية الفلسطينية، فهو لن يجازف ويقامر بعلاقته مع اللوبي الصهيونى لأجل الشعب الفلسطيني والشعوب العربية!..
فلا تفرطوا في التفاؤل أيها العرب! فتجربتنا مع الإدارات الامريكية السابقة مريرة وقد تكون في عهد أوباما أمرّ... آمل أن أكون مخطئا!!