طه العامري
هناك الكثير من القضايا والمواقف والظواهر الاجتماعية تثير الانتباه وتجبر المتابع لقضايا الشأن الوطني عنوة على متابعتها والتأمل في مسارها وتداعياتها ,تارة بحكم المهنة وأخرى بحكم المعرفة بالشيء أو بدافع الفضول غالبا .. وكثيرة هي القضايا الاجتماعية والظواهر والممارسات والتصرفات والمواقف التي تجعلنا نتابعها ونخوض فيها وأن كان الدافع لفعل هذا مجرد الرغبة في المعرفة وكشف خفايا ثقافة بها يدير بعضنا واجباته ومن خلالها يمارس مهامه , لكني بحكم (مهنتي) أجد نفسي مشدودا دوما لكثير من القضايا والظواهر الحياتية وهي قضايا متعددة الأبطال والجوانب والمسارات والمسارح ..
بيد أن غالبية هذه القضايا تفتقر لحيثيات كفيلة بإقناع المتابع والمتلقي والمراقب بسلامة دوافعها وغايتها وأهدافها , بقدر ما يجد المراقب والمتأمل دوافع مخفيه لبعض من هذه القضايا وهي كثيرة وضحاياها كثر , لكني مرة أخرى أجدني أتناول _قضية التاجر / عبده سلام العامري ولكن هذه المرة سأتناول القضية من زاوية بعيدة عن مساراتها القانونية والقضائية بعد أن أعادت المحكمة العليا القضية إلى المحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم الابتدائي وبهذه المناسبة كنت قد التقيت بالأستاذ العزيز / أحمد قرحش عضو اللجنة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ورئيس قطاع الرقابة الفنية في اللجنة , وكان اللقاء قد جاء على خلفية تناولي للقضية , في اللقاء الذي تم وجدت الأستاذ / أحمد متحمسا لتخليص البلاد من كل الآفات والسموم القاتلة والمبيدات وهو معه كل الحق في هذا وأنا معه أقف مؤيدا ومساندا وداعما وليس هناك عمل وطني عظيم أفضل من تطهير بلادنا من كل المكونات السامة والقاتلة التي تودي بعشرات بل بالمئات من أبناء شعبنا سنويا , لذلك وأمام حماس الأستاذ أحمد زادت قناعتي بكثير من الدوافع الخاطئة التي تجعلنا نقيم مواقفنا على ضوئها دون أن ندرك تبعات خفية تقودنا إلى حيث نعمل بالقول الشائع _ حق يراد به باطل _ وهذا ما زادت به قناعتي إيمانا ورسوخا في قضية الحاج / عبده سلام العامري الذي تفردت به نيابة أموال الحديدة لذاته وصفته ومهنته ومن خلال رئسيها القاضي / إسحاق صلاح , الذي استطاع تقديم صورة مغايرة للقضية وللمادة محل (الخلاف والجدل ) وقد لا يكون بالمناسبة القاضي / إسحاق صلاح بدوره على ثقة علمية ومعرفية وإلمام بكل تصوره ورؤيته وفهمه للمادة محل الخلاف والجدل , لكنه قد يكون هو الآخر ضحية توجيه ومدفوع من قبل آخرين لهم مصلحة وهدف وغاية في تقديم صورة مغايرة لحقيقة _المادة محل الخلاف والجدل _ وهي مادة فتاكة بالحشرات التي تفتك بالزراعة وبالأشجار المثمرة , وهي مادة هناك أصناف كثيرة مقلدة لها تغرق السوق وقد سبق لوكيلها المعتمد الحاج / عبده سلام أن لجأ للقضاء قبل سنوات دفاعا عن علامته التجارية الأصيلة , حينها كانت القضية تمضي على مسارين قضائي وقانوني ومسار آخر قبلي عرفي فقيل للحاج / عبده سلام حينها وهو قول جاء في سياق الصلح بما يعني ( أن من قلد ماركتك التجارية وجلب بضاعة مزورة يشتي يعيش مثلك وما ضرك لو أعطيته كم مليون ليبدأ حياته بشرف ونزاهة وبعيدا عن بضاعتك _ ..!!
لكن تم تجاوز المشكلة التي انتهت لكن في تلك النهاية كانت البداية لمخطط جهنمي يقدم أبطاله صورة مغايرة للواقع فيأخذ الجميع بأطياف الصورة المقدمة والكل يتوهم أنه بمواقفه الرافضة هذه يخدم الوطن وأبناء الوطن ويجنبهم مثل هذه المادة الخطرة التي تفتك بأبناء الوطن .. وهو قول منطقي لمن لا يدرك الحكاية , بل الأمر هنا يزداد خطورة حين تختلط مهمة القضاء بمهمة الإدارة وتصبح التجارة تحت رحمة السياسة , فالقضاء يختصم فيما بين مؤسساته فالنيابة لها رؤية مناقضة للمحكمة , والمحكمة العليا تعيد القضية للمربع الأول ووزارة الزراعة تختلف رؤيتها عن رؤية وزارة العدل , ووزارة الشئون القانونية لها رأي قانوني لا يؤخذ به , فتدخل اللجنة الوطنية العليا للفساد لتزيد من فجوة التناقضات وتصطف إلى جانب رئيس الأموال العامة وتتبني فكرته ووجهة نظره فيما يتعلق بخطورة المادة المثيرة للخلاف والتي وكيلها (العامري) منذ نصف قرن لم يقل أحدا بمثل هذا القول , ثم يوجه الأخ رئيس الوزراء مطالبا معرفة أصل الحكاية فيأتي الرد عليه من لجنة الفساد من خلال رسالة أفردت لها مساحة في نشرة الأخبار الرئيسية ..!!
بيد المناهضين لوجود هذه المادة محل الخلاف والجدل والمعارضين للمتاجرة بها والاستيراد , يتحدثون عن المادة باعتبارها ضمن المواد ( المحرمة دوليا) حسب تقارير صادرة عن ( الأمم المتحدة ) ومنظمة (الفاو) ..؟ ويعتبر أنصار هذا الرأي أن كل ما يصدر عن هذه المنظمات واجب الالتزام به أو ربما تقارير هذه الجهات فوق الشبهات , مع العلم أن هذه المنظمات ذاتها هي من أصدرت تقارير سابقة اعتمدها مجلس الأمن الدولي في استهداف العراق منها حرمان الأطفال العراقيين من (أقلام الرصاص) باعتبارها جزءا من مكون لصناعة أسلحة الدمار الشامل والأمر في الواقع ليس كذلك وهذا مجرد مثال وحسب , لأن المفترض أن دولة وحكومة الجمهورية اليمنية لديها _مختبرات علمية _تكون محل ثقة وأمانة ونزاهة وكل ما يصدر عنها هو ما يجب علينا احترامه والعمل به وليس من أي جهة أخرى , ثم وهذا الأهم لو أن المادة محل الخلاف هذا خطيرة لدرجة أن لجنة مكافحة الفساد تعقد لها جلسة خاصة تركت فيها كل قضايا الوطن وانهمكت في قضية التاجر العامري وبضاعته , فلماذا لا تصدر الحكومة اليمنية رسميا قرارها وتقول كلمتها في القضية دون الحاجة لهذا العك واللت والعجين واستنزاف القدرات وتخسر واحدا من أبنائها الذي لم يسبق له أن أساء لأحد الكثير من الجهد والمال بل وحتى التضحيات فقد تعرض التاجر المذكور لثلاثة حوادث سير خلال متابعته للقضية أسفرت عن عدد من القتلى الذين قضوا نحبهم على طريق (صنعاء _الحديدة ) وهم يتابعون مجريات القضية ..!!
نعم لماذا لا تقول الحكومة اليمنية موقفها رسمي وتحضر المتاجرة بهذه المادة محل الجدل والتي ليست قاتلة ولن تكون قاتلة إلا لمن يستوردها ربما لكن لا أحدا غيره يتضرر أو سبق له التضرر منها إلا من دخله الجشع وحاول استخدامها بطريقة خاطئة ..!!
إنني أتساءل عن سبب عجز الحكومة ومؤسساتها في الفصل في القضية وجعلها مادة للشد والجذب والإنهاك لكل أطرافها في الوقت الذي ببساطة يمكن حسم القضية وفق رؤى علمية ومعرفية من قبل الحكومة وأجهزتها المختصة , دون جعل الأمر بيد هذا الطرف أو ذاك .. وفي الأخير ومع كل تقديري واحترامي لكل الأطراف الذين ناصبوا التاجر العامري هذا الخلاف , لكني أقول ماذا لو جاءت تقارير دولية مشهود بنزاهتها تقول بعكس كل ما قالوا وما يعتمدون عليه في هذا الخلاف مجرد تساؤل وحسب.
ameritaha@gmail.com