ممدوح طه
بعد التهديدات الابتزازية الأميركية للفرض والممانعة العراقية بالرفض من الحكومة ومن البرلمان وقبلهما وبعدهما من غالبية الشعب العراقي سواء بالمظاهرات الشعبية أو في تعثر المفاوضات مع الحكومة أو في رفض البرلمان الإقرار بالتعديلات «في الشكل والاحتلال في الجوهر في مسميات الاتفاقيات أو في صياغة العبارات.
وبعد شد وجذب من الجانبين الجانب الأميركي المعتدي والمحتل لأراضي الغير بالقوة والجانب المعتدى عليه والرافض للاحتلال بالمقاومة، أحالت الحكومة العراقية المضغوط عليها «الاتفاقية الأمنية» المعدلة بعد إقرارها وتقسيمها إلى اتفاقيتين الأولى باسم «تنظيم الانسحاب الأميركي» والثانية باسم «تنظيم الوجود الأميركي» إلى البرلمان العراقي للاطلاع عليها ورفضها أو للقبول بها بصيغتها الحالية والتصديق عليها.
في الأولى إيجابية نسبية بإقرار الاحتلال لأول مرة باستخدام كلمة «الانسحاب» بل وجدولة زمنية لتحديد زمن لإنهاء الاحتلال العسكري السافر، وفي الاتفاقية الثانية تكريس للبقاء العسكري المستتر في قواعد خارج المدن بلا سقف زمني!
في الاتفاقية الأولى انسحاب لقوات الاحتلال من المدن إلى القواعد بنهاية ديسمبر 2009، وخروج القوات الأنجلو-أميركية من العراق بنهاية 2011، وفي الاتفاقية الثانية تنظيم للتعاون الأمني يتيح بقاء القواعد العسكرية الأميركية لزمن قابل للتجديد تحت غطاء تأمين العراق بينما هي في الواقع لتهديد دول الجوار وتأمين إسرائيل برغم التطمينات!
والمثير للاستغراب والاستهجان معا هو ما يروجه الاحتلال من أضاليل وما يمارسه من ابتزاز وتهديد وعدوان لفرض القبول بها، ولو لم تكن تلك الاتفاقية اللاأمنية هي لمصلحة الاحتلال الأنجلو-أميركي ولحماية الكيان الصهيوني وليس لمصلحة الشعب العراقي أو الوطن العراقي أو الأمن الإقليمي، ما رفضتها الحكومة العراقية الواقعة تحت الضغط والابتزاز، ولا البرلمان العراقي المنتخب برعاية إدارة الاحتلال، وما رفضتها دول الجوار المستهدفة بالعدوان الصهيو-أميركي خصوصا سوريا وإيران!
والمثير للاستهجان بغير استغراب هو ترحيب بعض المستغربين الأكراد في هذا البرلمان باستمرار الاحتلال الأميركي في شكل قواعد عسكرية «طويلة الأمد»، إلى الحد الذي يجرؤ فيه أحد زعمائهم بالترحيب بالقواعد الأميركية في كردستان العراق إذا رفض البرلمان العراقي، وفي ذلك كشف لأهداف «فيدرالية الاحتلال» وخروج على مقتضيات الوحدة الوطنية ودستور الدولة العراقية!
أميركا والتابعون لها خوفا أو طمعا يروجون أن الاحتلال هو الحق والاستقلال هو الباطل، وأن بقاء الاستعمار هو الأصل وأن مطالب الأحرار هي الزيف، بذرائع بلهاء كإزالة الديكتاتورية بينما الاحتلال هو ذروة الديكتاتورية.
ونشر «الديمقراطية» اللاديمقراطية بالاحتلال، وحقوق الإنسان بالمخالفة لحقوق الإنسان، ولو بقتل الشعوب بدلا من تحريرها أو بتدمير البلاد بدلا من تعميرها، وبتقسيم الموحد والمقسم، كالطبيب الفاشل أو المجرم الذي يقتل المريض بجهل أو بغرض كي يخلصه من المرض!
ولكن تبقى الحرية والكرامة الإنسانية الوطنية هي أغلى القيم الإنسانية على الإطلاق، ولهذا لا يوجد شعب حر لديه كرامة كالشعب العراقي يمكن أن يقبل بالاحتلال بأي مسمى، وكل شعوب العالم قاومت الاحتلال الأجنبي تحت كل المسميات والتبريرات التي سرعان ما تتهاوى وتسقط أقنعتها المزيفة بوعي الشعوب بحقيقة المطامع الاستعمارية وبطبيعتها العدوانية.
وبمقاومتها الطبيعية بدافع إرادة الحرية وغريزة الكرامة، وكل الغزوات الاستعمارية على بلادنا العربية والإسلامية انتهت إلى الفشل والانسحاب، وكل احتلال أجنبي صهيو-أميركي في فلسطين أو أنجلو أميركي في العراق زائل لا محالة مهما طال الزمن ومهما بلغت التضحيات.