أحمد أبو عطاء
ألقت الأحداث الأخيرة التي شهدتها المياه الإقليمية في البحر الأحمر قبالة سواحل الصومال واليمن بظل مخيف على ظاهرة من أشد الظواهر خطورة على الأمن الإقليمي والدولي وهي ظاهرة "القرصنة البحرية"، وأصبح من الواضح أن مختلف دول العالم التي كانت تتعامل مع خطر هذه الظاهرة من وجهة شبه نظرية وجدت نفسها مضطرة إلى إعادة حساباتها والوقوف أمام التداعيات الشاملة التي تترتب على تفاقم هذه الظاهرة واتساع نطاقها.
ورغم أن القرصنة البحرية في الوقت الحاضر هي التهديد الرئيس في بحار العالم حيث بلغت في بحار جنوب شرق آسيا 2001 حوالي 335 عملية، إلا أن الاهتمام الدولي الحقيقي بخطورة هذه الظاهرة ارتبط بطبيعة الحال بتزايد عمليات خطف السفن والحاويات في المياه الساحلية للصومال، بسبب تعقيد الوضع في منطقة القرن الأفريقي وتسارع وتيرة الأحداث في هذه المنطقة.
ويعود تاريخ القرصنة إلى فترة ما قبل الميلاد حينما كانت متمثلة في الجرائم والأعمال العدائية التي ترتكب في البحر ضد السفن وطاقمها وحمولتها بواسطة المغامرون، ثم تطورت عمليات القرصنة حتى وصلت إلى الشكل الحالي.
وعلى الرغم من وجود قواعد أمريكية وفرنسية في منطقة القرن الأفريقي وتعهد مجلس الأمن الدولي باتخاذ خطوات لمكافحة القرصنة فقد رأى المراقبون أن الجهود الدولية غير كافية حتى الآن، وأرجعوا ذلك إلى العديد من العوامل، من بينها تباطؤ المجتمع الدولي في الاستماع إلى جرس الإنذار الذي ظل مدويًا طوال الأشهر الماضية من خلال سلسلة من حوادث اختطاف السفن في هذه المنطقة الحساسة.
وقال الدكتور محمد شوقي مدير مركز القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم سياسية بجامعة القاهرة إن العدالة الدولية الغائبة تعتبر سبب أساسي لأزمة القراصنة بسبب تردي الوضع في الصومال وعدم وجود اتجاه عربي أو أفريقي أو عالمي لحل مجمل المشاكل التي يعاني منها هذا البلد.
وأشار الدكتور شوقي إلي أن التكنولوجيا كانت سبباً في البروز الأخير لمشكلة القرصنة فثورة الاتصالات والمواصلات أتاحت للعديد من الجماعات والمنظمات فرصة امتلاك أجهزة موبايل متصلة بالقمر الصناعي.
وأوضح الدكتور محمد عبد المنعم عبدالغني أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة أن جريمة القرصنة جريمة دولية وليست وطنية ولو ارتكبت في البحر الإقليمي لدولة ما فإنها تهدد الجماعة الدولية وسلوك من شأنه المساس بمصالحهم.
وقال الدكتور عبد الغني أن قانون الأمم المتحدة لأعالي البحار عام 1982 ينص علي أن لأي دولة الحق في ضرب أي سفينة قرصنة إذا وجدت في عرض البحر أما إذا حدثت الجريمة في المياه الإقليمية لدولة ما فعلي هذه الدولة تحمل المسئولية وتولي الحساب والعقاب الذي يكون بالإعدام.
ومع اقتراب النهاية لحقبة الرئيس الأمريكي جورج بوش وما اتسمت به من التركيز على صرف انتباه المجتمع الدولي على الاهتمام بقضية الحرب ضد "الإرهاب"، بدأ العديد من زعماء العالم يتنبهون إلى خطورة ظاهرة القرصنة البحرية وبدأوا يراجعون صيحات التحذير التي دأبت المنظمات المعنية على إطلاقها وأنذرت خلالها من خطورة التداعيات التي ستترتب على عمليات القرصنة البحرية.
ويستقبل مضيق باب المندب أمام القرن الأفريقي أكثر من 20 ألف سفينة كل عام تمثل حوالي ثلث تجارة الحاويات العالمية، ومن ثم فإن المياه الدولية التي تطل عليها الصومال تعتبر إحدى أهم الممرات التي تسلكها السفن التجارية حيث يربط الطريق الملاحي في بحر العرب بين اليمن والصومال آسيا بأوروبا من خلال قناة السويس وله أهمية كبيرة للغاية بالنسبة لشحنات النفط من الخليج.
وجاء موقف مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 1838 بمثابة أول تحرك حقيقي جدي في مواجهة هذه الظاهرة حيث ناشد مختلف الدول استخدام "كل الوسائل الضرورية" لمكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية حيث تتزايد الهجمات على السفن.
كما حث القرار البلدان التي تملك قوات عسكرية في المنطقة على استخدام الوسائل الضرورية في عرض البحر وفي المجال الجوي قبالة الصومال بما ينسجم مع القانون الدولي من اجل قمع أعمال القرصنة.
وكان المجلس اصدر في الثاني من يونيو القرار رقم 1816 الذي يجيز لسفن حربية دخول المياه الإقليمية الصومالية التي تعتبر الأخطر في العالم لمطاردة قراصنة.
وفي موقف دولي كان له ثقله سارعت روسيا والهند التي تعرضت إحدى سفنها قبل شهر للاختطاف من قبل قراصنة صوماليين، وعلى متنها 20 بحارًا هنديًا مقابل سواحل اليمن، إلى إرسال سفن حربية لحماية السفن التجارية من القرصنة، فيما أعلن الحلف الأطلسي في 9 أكتوبر عن إرسال سبع سفن حربية إلى المحيط الهندي لنفس الغرض.
أما على الصعيد الأوروبي وموقف الدول الأوروبية تجاه القرصنة البحرية التي تزايدت بصورة كبيرة في القرن الأفريقي فقد تبلور هذا الموقف من خلال مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا وإعلانه أن الاتحاد يتجه إلى تدشين قوة جوية وبحرية لمكافحة القرصنة التي تهدد الممرات الملاحية قبالة سواحل الصومال.
وكذلك كشفت فرنسا أن عشرة دول على الأقل في الاتحاد الأوروبي جاهزة للمشاركة في عملية مكافحة القرصنة وهي فرنسا وأسبانيا وألمانيا وليتوانيا وهولندا وقبرص وبلجيكا والسويد وربما بريطانيا.
وأوضح خافيير سولانا أن مبعوثين من الاتحاد الأوروبي قرروا أن يقود الأميرال فيليب جونز بالبحرية البريطانية العملية وبدئوا التخطيط بهدف تدشين العملية في أقرب فرصة.
أما حلف شمال الأطلسي الناتو فقد قرر الاستجابة لطلب الأمم المتحدة بتكليف سفن من قوة مهام مكونة من مدمرتين وأربع فرقاطات وسفينة دعم من ست دول أعضاء في الحلف بالمشاركة في العمليات.
وصرح متحدث باسم حلف شمال الأطلسي بأن سفنًا حربية من قوة مهام تابعة للحلف ستساهم في المساعدة في محاربة القرصنة وحماية الشحنات التي ترسلها الأمم المتحدة قبالة سواحل الصومال.