فارس الصليحي
في زمان اختلط فيه الحابل بالنابل وأن دارت معانات الخاصة والعامة وشكى وبكى وأحزان كل الطبقات الأمر الذي يصبح ويمسي الحليم منه حيراناً حينها نخشى أن ينقلب التاريخ على نفسه ليصبح الحسن قبيحاً والعكس والمنكر معروف والعكس والكريم بخيلاً والعكس إلخ هنا في اليمن خاصة في بلد الإيمان والحكمة حيث مر هذا البلد بمنعطفات ومآسي خطيرة منذ بزوغ الثورتين الأم 26 من سبتمبر و14 أكتوبر ليأتي العام 90م الذي حول مجرى التاريخ اليمني بعد الفرحة يأس وبأس في العام 94م يعقبه نصراً مؤزراً للقوات الشرعية رغم الخسائر الفادحة من الطرفين وتتحمل الدولة مئات الملايين من الدولارات وتتأخر عملية التنمية والبنية التحتية ويخرج هذا البلد من تلك الأزمات كما تخرج الشعرة من العجين ليطوي آلام الماضي المرير وليتنفس الصعداء مرة أخرى وتبدأ الحكومة بالترويج لجلب المستثمرين من العالمين العربي والإسلامي وفي أول جولة تحصل الحكومة على خمسة ملياراتدولار من الدول المانحة الشقيقة والصديقة ويبزغ فجراً جديداً لهذا الوطن ويعود الأمل لكل أفراد هذا الشعب وتجد البسمات والأفراح في وجوههم في حراجات العمال وفي المقاهي والنوادي على وسائل النقل وفي الإعلام بمختلفه وعلى أمل ألا يعود الهم والحزن والانتكاس من جديد وما هي إلا أيام وليال حتى تتحول تلك الأفراح إلى أشباح وتلك الآمال إلى أحلام وتلك السعادة إلى تعاسة بدءاً بإعادة نار الحرب في صعدة وتوسعها لتمتد إلى م/عمران ثم بني حشيش م/صنعاء ويضاف إلى قافلة الشهداء الآلاف من رجال القوات المسلحة والأمن إضافة إلى الخسائر في البنية التحتية والمعدات العسكرية التي كلفت الخزينة العامة المليارات من الدولارات من غير الإخراج والصرف اليومي لمؤن الجيش المرابط في معركة الشجاعة والرجولة والفداء لله والرسول والوطن والوحدة المباركة والأمن والاستقرار والدفاع عن أصحاب رسول الله وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين.
ولم تقتصر الأوضاع والمآسي على ذلك المعيار فحسب، بل إن في الجنوب قصة بل حكاية ومأساة أخرى، فالاعتصامات والمسيرات لا تكاد تبارح تلك المناطق والمديريات ليل نهار بدءاً بقضية المتقاعدين وأوضاع المتضررين من صيف 94م وأصحاب الأراضي والتعويضات إلخ ثم الامتداد لها وصولاً للمطالبة بتسوية الأدوار في الحكم والسلطة بكل مفاصلها ومؤسساتها وتدخل بعض الأيادي العميلة الهاربة في الخارج وتحريك الشارع بذلك الدعم الخارجي الذي تحصده وتجمعه العناصر المأزومة في الداخل من بعض رجال المال والأعمال والمنظمات الماسونية التي تعمل على الفرقة والشتات والتمزيق في الشعوب ومتاجرة تلك العناصر الخائنة باسم القضية ثم تصعيد حمى الانتخابات القادمة لتؤدي إلى صراعات طائفية ومواجهات بين أبناء هذا الوطن مع بعضهم البعض حيث لم تقتصر تلك المواجهات على اللسان بالاتهام والشتم أو الأقلام في الإعلام كرأي وتعبير لكنه وصل إلى الوضع الذي ترفضه كل القيم والمبادئ والأخلاق بدءاً بالتصعيد الإعلامي محلياً ودولياً وانتهاءاً بالمواجهات الميدانية باليد والسلاح والتفجير والترويع والتخويف للشيوخ والأطفال والأرامل إلخ.
ولم تتوقف كل هذه المآسي عند هذا الحد فبقدر ما تكون المصائب الدنيوية كبيرة في نظرنا بقدر ما تكون القيادة السماوية هي الأكبر على الإطلاق لتحول بين كل ما ذكر آنفاً هناك حيث تدخلت السماء لتوقف الصراعات الحزبية والدنيوية باليمن بين الحاكم والمحكوم وتحصل الكارثة التي تحولت من نعمة إلى نقمة في محافظتي حضرموت والمهرة والحديدة ثم تحولها من نقمة إلى نعمة، فعلى الأولى التشريد والدمار والخراب الذي حصل وخلف ما يقدر بمليارات وعلى الثانية الانتقال من التحقن والتعصب والجو السياسي إلى الشأن الأساسي المتمثل في التلاحم والتراحم والتآخي عند الشدائد والمصائب حيث هبت تلك القوافل المزودة بكل مشروب ومأكول وملبوس للوقوف إلى جانب إخوانهم المتضررين لتعبر عن أصالة اليمانيين وكرم وعطاء أهل الإيمان والعلم والحكمة في الداخل والخارج .. إلخ
وخلاصة ما ذكرنا أخشى أن ينقلب التاريخ على نفسه فيصبح الحوثي وأتباعه يوماً ما من المناضلين الأحرار ويتنصب في أماكن سيادية جزاءً لما قام به ونخشى أن ينقلب التاريخ على نفسه فيصبح باعوم قائد الحراك الجنوبي ويتحول من زعيم فتنة وعصابة إلى زعيم قيادة وريادة إلخ ونخشى أن ينقلب التاريخ على نفسه فيحصل "القرني" على جائزة نوبل للشباب والسلام التكافلي الاجتماعي.
ونخشى أن ينقلب التاريخ على نفسه ليصبح كل معارض وداعي فتنة في قائمة أصحاب النضال المقدس المدافعين على الوطن ووحدته ومكاسبه وبالتالي لا بد من مكافئتهم بما يطلبون ويرغبون من جاه ومال وسلطا إلخ.
ونخشى أن ينقلب التاريخ على نفسه ليتحول المناضل الجسور اللواء/ علي محسن من قائد مناضل بكل ما تعنيه معاني النضال المقدس إلى علي الكيماوي باليمن أو جناح إرهابي من أجنحة القاعدة في العالم. إلخ
ونخشى أن ينقلب التاريخ على نفسه فيصبح أهل الوسطية والاعتدال صناع حرب وغلوا وتطرف والعكس ويصلى على المناضلين الجدد والمخلصين صلاة الميت الغائب أو يتم وصفهم في غيابه الجيب لأنهم في الجيب إلى أن يريد الله لهم ما يشاء ويختار والله المستعان على ما تصفون.