عبدالوارث النجري
تمر البلاد بأزمة الخاسر الوحيد فيها الوطن والأبرياء المضلل بهم من عامة الشعب، أما أطراف الأزمة ونخبها السياسية التي تعد المسؤول الأول لما وصل حالنا إليه اليوم فهم في منأى عن رحى المواجهات التي صارت قاب قوسين أو أدنى نتمنى أن لا يكون ما حدث في ميدان التحرير بدايتها إذ لم تكن بداية البداية كلما ساورنا التفاؤل والأمل في وطنية القيادات الحزبية ونواياهم الصادقة وجهودهم الحثيثة الساعية للخروج من الأزمات المتراكمة كلما صار ذلك الأمل والتفاؤل سيئاً شيئاً فشيئاً حتى كاد يتحول إلى يأس في قلوبنا وحتى قلوب تلك القواعد الشعبية لقطبي الأزمة الحاكم والمعارضة، نتفاءل كلما عادوا للجلوس على طاولة الحوار ونتفاءل باستمراره وحتى بلقائهم بفخامة رئيس الجمهورية ورعايته لتلك الحوارات لكننا سرعان ما نفقد ذلك الأمل بسبب تدخل معتوه من قبل قيادي مشارك من قبل الحاكم تارة والمعارضة تارة أخرى، الأمر الذي يكشف الخلل الذي تعاني منه الأحزاب والتكتلات الحزبية في بلادنا سواء وجود الخلافات الداخلية بين القيادات نفسها أو وجود هوة كبيرة بين القيادات العليا والقيادات المتوسطة والقاعدة الجماهيرية في المحافظات والمديريات، كذلك تعرض تلك الأحزاب أو التكتلات لعملية اختراق من قبل قوى خارجية استطاعت بعامل الزمن وضعف حنكة القيادات الوصول إلى مركز القرار حتى صارت قرارات تلك الأحزاب وبياناتها وشروطها وخطابها الإعلامي تتناقض تماماً مع أفكارها وقواعدها ومناهجها الأساسية وهو ما صار ملموساً بالفعل سواء في خطاب الحزب الحاكم أو خطاب أحزاب اللقاء المشترك، ولعل تقديم قطبي الأزمة الحاصلة اليوم وبالذات قياداتها المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة العامة خير شاهد على ما سبق، ومن وراء ذلك كله المصالح الشخصية البحتة، حيث وأن تلك القيادات المفلسة لم تعي ما يمر به العالم سواء على المستوى الإقليمي أو المحلي أو العالمي، هذه القيادات التي لا تزال تتعامل مع أحداث صعدة وحروبها بحذر ولامبالاة رغم قيام أربعة حروب ونقض قيادة التمرد لتعهداتها والاتفاقيات أكثر من مرة منذ العام 2004م وحتى هي نفسها تلك القيادات التي لا تزال تتعامل بحذر مع ما يسمى "حراك الجنوب" والفوضى التي يعيشها العديد من مديريات المحافظات الجنوبية دون تفنيد للمشكلة وإعلان موقف صريح وواضح من تلك القضايا والتقدم بمشاريع وطنية صادقة لمعالجتها في أسرع وقت ممكن، فاستمرار هذه الفوضى وتلك الأزمات لا يخدم أمن واستقرار الوطن والتطور وعملية البناء والتنمية في البلاد بقدر ما تخدم أصحاب المصالح والمشاريع الشخصية الضيقة وما يجري اليوم في المحافظات وعلى مستوى المديريات والعزل من مهرجانات ومسيرات بعضها تدعو لمقاطعة الانتخابات والأخرى تدعو إلى المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة، حتى صارت حتى خطابات تلك القيادات وأتباعها في المناسبات الأخرى كالأعراس والاحتفالات الثقافية والاجتماعية كلها مسيسة وحتى خطب صلاة الجمعة والعيد وغيرها منها ما يدعو إلى الانتخاب وأخرى للمقاطعة، بل أن الخلاف حول المقاطعة والمشاركة قد وصل إلى داخل الباصات والمقايل والأسواق الشعبية والأحياء والحارات وهكذا هذه القيادات التي عرفناها متضادة وفي تصادم ومناكفات ومماحكات مستمرة، لا نجدهم يتفقون في بيان واحد أو في مهرجان واحد أو في قضية واحدة من قضايا الوطن، فهم يقررون الخلاف قبل الذهاب إلى طاولة الحوار، وكأنهم أمام المذيع فيصل القاسم في برنامجه الاتجاه المعاكس متناسين أن هموم ومشاكل شعب ووطن بين أيديهم، هذه القيادات تلتقي بالأجساد لكنها قطعاً لا تلتقي بالأفكار والهموم والحلول الناجحة، ولا تلتقي فقط سوى أمام شباك الصندوق في بعض البنوك وفروعها بالمحافظات وفي بعض محلات الصرافة لاستلام الدعم والاعتمادات وغيرها، هذه القيادات تسعى اليوم لإيصالنا إلى ما لا يحمد عقباه باسم الانتخابات والتعددية الحزبية والديمقراطية، ظناً منها أننا في لبنان، وأن ميدان التحرير هو ساحة بيروت، متناسية أننا لا نزال شعباً نسبة الأمية والجهل فيه تصل إلى قرابة "40%" من تعداد السكان وأننا شعب مسلح ولم يفرق بين السياسة والتحزب والقبيلة والداعي والنكث والعدال وغيرها، شعب لم نفرق بعد بين شعارات المهرجانات والمسيرات والزوامل والأحوال القبلية وربما أن هذه القيادات تعي ذلك ولكنها تتعمد إيصالنا إلى ما نخشاه ما دام ذلك يتوافق مع أهدافهم الحزبية ومصالحهم الشخصية الضيقة.