احمد عمرابي
زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفديف إلى فنزويلا لها مغزى كبير في حد ذاتها. لكن مغزى التوقيت لا يقل أهمية. فالزيارة تتزامن مع وصول مجموعة من السفن الحربية الروسية لإجراء مناورات مع البحرية الفنزويلية هي الأولى من نوعها منذ نهاية الحرب الباردة.
هكذا تبعث روسيا برسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن موسكو تدشن لنفسها عهداً جديداً من النفوذ الاستراتيجي في أميركا اللاتينية التي تعتبرها واشنطن حديقتها الخلفية.
في أغسطس الماضي شنت روسيا حرباً قصيرة لكنها حاسمة على دولة أوروبية موالية للولايات المتحدة تقع في الجوار الجغرافي الروسي، وكان ذلك اختباراً روسياً للقوة الأميركية. وكانت النتيجة كما نعلم هي أن واشنطن أدارت ظهرها للاستغاثات التي صدرت عن حكومة جورجيا، لقد أدركت إدارة بوش حينئذٍ أنه ليس بوسعها على خلفية حربين أميركيتين مستعرتين في العراق وأفغانستان أن تورط نفسها في تجربة تفضي بها إلى مواجهة ساخنة مع روسيا. لذلك اكتفت إدارة بوش بإطلاق بيانات «تضامن» مع جورجيا على لسان كوندوليزا رايس.
وإذا كانت جورجيا اختبار قوة فإن المناورات البحرية المشتركة على سواحل فنزويلا المتزامنة مع زيارة رئيس الدولة الروسية هي استعراض قوة. في الحالة الأولى خلصت موسكو إلى أن للقوة الدولية الأميركية حدوداً فقررت اتخاذ مبادرة بالمضي قدماً في تطبيق مشروعها تجاه الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.
المشروع الروسي بشأن أميركا اللاتينية مشروع شراكة استراتيجية كاملة تشتمل على تعاون اقتصادي وسياسي وعسكري. وتكون فنزويلا شافيز القاعدة الأساسية التي تنطلق منها هذه الشراكة، ومن بين بنود المشروع إنشاء بنك فنزويلي روسي مشترك للتمويل التنموي في فنزويلا.
وقد وقعت الحكومة الفنزويلية عدة اتفاقات مع شركات نفطية روسية لتطوير المزيد من الثروات الطبيعية الفنزويلية في مجالات الطاقة وا. لكن هذا ليس سوى بداية. ذلك أن التعاون الاستراتيجي بين روسيا وفنزويلا يتطلع إلى آفاق أبعد تشمل استقطاب دول أميركا اللاتينية كلها من أجل إنشاء جبهة إقليمية لاتينية عريضة بمشاركة موسكو لمناوأة النفوذ الأميركي في المنطقة وذلك على طريق توسيع هذه الجبهة على نطاق عالمي.
وفي هذا الصدد وقعت حكومة شافيز اتفاقات تنموية مع الصين مما يمهد الطريق أمام فنزويلا للانضمام إلى «منظمة شنغهاي» التي تضم في عضويتها روسيا أيضاً إلى جانب دول في آسيا الوسطى بالإضافة إلى الهند. تأسيساً على هذا كله نتساءل: أين العرب؟! ألا يجدر أن تتوقف الدول العربية لترى في أي اتجاه يتحرك العالم فتراجع رؤاها الاستراتيجية؟