احمد عمرابي
بعد ثلاث سنوات ينسحب الأميركيون نهائياً من العراق.. أو هكذا تنص الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة وحكومة نوري المالكي التي أجازها البرلمان العراقي.
والآن وقد ظفرت واشنطن بما أرادت يبقى سؤال: هل كان العراق أصلاً بحاجة إلى أن يرتهن لارتباط أمني مع الولايات المتحدة لا يعرف العراقيون مآله على الصعيد التطبيقي لولا أن الدولة العراقية واقعة تحت احتلال أميركي جردها من السيادة الوطنية؟
وحتى لو افترضنا أن الجانب الأميركي قدم مشروع الاتفاقية الأمنية بحسن نية ويعتزم تطبيقه بأمانة وصدقيه.. هل يعتبر جلاء آخر جندي أميركي من الأراضي العراقية عند نهاية عام 2011 نهاية مناسبة للمأساة العراقية بعد ثماني سنوات من الاحتلال التدميري؟
لو كان العراق ارتكب اعتداءً على الولايات المتحدة أو فعلاً يتهدد أمنها القومي لجاز اعتبار حملة الغزو الأميركية في مارس 2003 رد فعل مشروعاً بمعايير القانون الدولي. لكن الغزو الأميركي كان كما يعرف العالم بأسره عدوانا مكشوفاً على العراق غير مبرر إطلاقاً.
بعد بضعة شهور من الغزو والاحتلال اعترفت إدارة بوش بأن ادعاءها بملكية العراق أسلحة دمار شامل كان كاذباً. كذلك سقط ادعاؤها التالي بأن نظام صدام كان على علاقة عمل مع تنظيم «القاعدة» عندما أعلنت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأنها لم تعثر على أدلة لتأييد هذا الادعاء، ولم يتوقف الأمر عند حد الغزو.
فقد تحول الغزو إلى احتلال على مدى سنين متصلة جرى خلالها تدمير العراق وشعبه سياسيا وعسكرياً واقتصادياً وإنسانيا، والنتائج المأساوية تجل عن الحصر والوصف، مئات الألوف من العراقيين قتلوا عشوائياً على أيدي القوات الأميركية.. ومن لا يلقون حتفهم بالرصاص أو القنابل يموتون بسبب تفشي الجوع وانتشار الأمراض الخطيرة على مستويات وبائية كالسرطان والكوليرا،، وانهار النظام الصحي.. والنظام التعليمي وتعطلت محطات التوليد الكهربائي وشبكات المياه النقية مع شبكات الصرف الصحي، وفي هذه الأثناء يتشرد ملايين من العراقيين كنازحين داخل البلاد أو لاجئين في الخارج بعد أن افتقدوا الأمن ووسائل العيش الأساسية في منازلهم.. ولنعد إلى التساؤل: هل تنتهي القصة بجلاء القوات الأميركية فقط؟
لو كانت عدالة القانون الدولي تطبق حتى على القوى الدولية الكبرى لكان الأمر يقتضي في الحالة العراقية فرض عقوبات على الولايات المتحدة أولاً وإرغامها على دفع تعويضات للعراق وشعبه وتحميلها مسؤولية دفع فواتير إعادة التعمير.
ويالها من مأساة: بعد سنين من التدمير المنظم تنسحب القوات الأميركية من العراق سالمة غانمة بموجب اتفاقية أمنية مشكوك في تطبيقها. <