محمد أمين الداهية
من منا لا يعرف المعنى الحقيقي للغربة والاغتراب، قد يجهل البعض هذا المعنى أو بالأحرى الفهم الحقيقي لمعنى الاغتراب، واعتقد أن من يجهلون المعنى الحقيقي للغربة والاغتراب هم أولئك الذين استطاعوا أن يتأقلموا مع ظروف ومجريات الحياة في أوطانهم ولم تجبرهم الظروف على خوض هذه المغامرة القاسية والذي تسمى الاغتراب، وأسباب الغربة والاغتراب كثيرة جداً ومختلفة، فمن الناس من يغادر وطنه ويلجأ للاغتراب لغرض البحث عن حياة أفضل ومنهم من يلجأ للاغتراب بسبب الفقر المدقع والمسؤولية الكبيرة التي يرى فيها الإنسان واجبه تجاه أسرته، وأكثر هذا النوع من الاغتراب يكون بطريقة مخالفة للقانون الوضعي، فمن الناس من يغادر وطنه وتسمح له الأقدار بأن يكون موفقاً في مغامرته وتعدي حدود دولته واقتحام حدود الدولة المجاورة، ومنهم من يغادر وطنه ولكن الأقدار والظروف قد ترجعه إلى وطنه جثة هامدة، وإذا كانت الأقدار أقوى من ذلك فقد يغادر الإنسان وطنه بعد أن يودع الأهل والأحباب لكنه لن يرجع إليهم أبداً، فتظل أسرته وأحباؤه ومن تركهم يعيشون سنوناً مرة يتجرعون في كل يوم ألم وحزن على غائبهم الذي رحل ولم يعد وما يزيد من حسراتهم ما يسمعون ويشاهدون عبر وسائل الإعلام من إلقاء القبض على متسللين حاولوا أن يخترقوا حدود الدولة المجاورة فمنهم من يعود ويرحل ومنهم من تنسب إليه قضايا جسيمة فيصبح رهين السجن في دولة غير دولته ومنهم من يقتل برصاص حراس الحدود ومنهم من يموتون حرقاً وغير ذلك من الأشياء التي تنتاب الأسرة على غائبها الذي رحل للإغتراب على أمل اللقاء مع أسرته وأحباءه في أوضاع ميسورة وحياة أفضل، ولكن هذه هي الحياة بطبيعتها تعطي من لا يستحق وتحرم من هو في أمس الحاجة إلى عطفها وكرمها، ولكن يبقى ذلك كله بأمر الله وما كان من عند الله فهو خير لا محالة، هذا جزء يسير من حال الغربة الاضطرارية لبعض الناس، وهناك غربة إجبارية يقع ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم، وكي لا نطيل ونجعل القارئ العزيز يعيش شيئاً من الملل أقول إن أهم نقطة أجبرتني للتحدث عن الغربة والاغتراب وعلى سبيل المثال ومن صميم الواقع تلك الزهرة البريئة والجميلة والتي أجبرت على الاغتراب طاعة وتلبية لرغبة أهلها فغادرت منزل والديها مع رجل كان من المفترض أن لا ترحل معه ولكن سنة الله ورسوله قد أحلت ذلك فقد صار زوجها وبعيداً عن الاسهاب سلم الأهل تلك الزهرة البريئة لوحش كاسر في سن والدها يرحل بها إلى خارج الوطن، وبعيداً عن الوطن وبعيداً عن الأهل وبعيداً عن الأحباب والأقرباء، ماذا تتوقعون من حياة لزهرة بريئة جميلة مع وحش كاسر لا يعرف أدنى شيء عن الحياة الزوجية وقدسيتها والكنز الذي ظفر به المعذرة لم أجد تعبيراً لمعاناة تلك الزهرة أقوى من هذا الحديث الذي خرج من قريحة من تحملت مثل هذه المعانات فقالت: عندما أتذكر الغربة أكون كالسحاب الذي يغطي السماء يبعدني عن عيون الأحباب أعيش غريباً في ديار الأحباء أكون كالطير السجين في أقفاص الأعداء أكون كمن فارق الحياة، أو كالسجين ينتظر لحظة لقاء الأقرباء أشعر بألم وأنادي نداء المصاب أقرأ رسالة الأهل فأصبح كالغريق يستعين بقشة النجاة وأنادي دياري لتحضنني من وحشة غربتي، فأي غربة أو هوان يعيشه الإنسان في ديار الأغراب، وهكذا نناشد كل من لهم الأمر على فتياتهم أن لا يجعلوا من بناتهم أو إخوانهم في يوم من الأيام ضحية لغربة إجبارية مع وحوش خطيرة فمهما كانت الظروف والمغريات فسلامة الفتاة واستقرارها أغلى من كنوز الدنيا.<