شكري عبدالغني الزعيتري
. . . بعد سقوط نظام سياد بري عام 1991م و بعدها وانقسم الصوماليين فيما بينهم وعلى أساس قبلي ونشبت الحروب ودخل الصومال في دوامة حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس وظهر من استغلوا وكانوا يأججون الصراعات الأهلية ويشجعون استمرارها وسموا بأمراء الحرب وكانوا يتصارعون - بين الحين والآخر - للسيطرة علي أقاليم من الصومال وليفرض كل طرف سيطرته علي الأقاليم الأخرى وكانت مقديشو هدفا للسيطرة عليها من قبل كل طرف من أمراء الحرب عسى ولعل أن يفرض الطرف المنتصر بسط نفوذه على بقية الأقاليم الأخرى. فتعرّضت مقديشو إلى تخريب واسع النطاق على أيدي المليشيات المسلحة فالحق بها تدمير المؤسسات العامة والخاصة بدون استثناء للبيوت كما أصبحت مأوى للعصابات الذين همّهم الأول والأخير الاستيلاء على أموال الغير فعاثوا فيها فساداً بالقتل والنهب، والسرقة والاختطاف والاغتصاب في ظل سيطرة أمراء الحرب. و مع كل تلك المآسي التي حدثت وخلفها الصراع الداخلي بين الصوماليين في عام 1991م إلا أن النور يشع دائماً وما حدث كان بذرة كبرت لتصير شجرة ، كانت المشاكل في القبائل تزداد وأمراء الحرب يريدون أن يتفرغوا لغير تلك التفاهات ولذا لما جاءت فكرة إنشاء محاكم شرعية ضمن كل قبيلة من علماء وفقهاء القبيلة ، وافق عليها شيوخ القبائل وكذا صلاد ، ولم يروا مانعاً من وجود هكذا محاكم لتحل المشاكل بين أفراد القبيلة حتى لا يصير النزاع داخلياً ، وبدأت بذرة المحاكم الشرعية في 1994م بغرض حل المشاكل وغرضها بذلك خدمة الدين والقبيلة ، وبسبب قرب هؤلاء القضاة من الناس أحبوهم و شعروا تجاههم بالأمان ، فبدلاً من محكمة صارت محاكم حيث تنافست القبائل في إنشاء محكمة في كل قبيلة لتنافس قبيلة أخرى. توجس أمراء الحرب خوفاً من تقارب قضاة المحاكم من الناس وشهرتهم بينهم وبدءوا يخافون من تنامي قوتهم وزيادة ولاء الناس لهم وقرروا مع زيادة ما يعرف بالحرب على الإرهاب (القضية التي تبنتها أمريكا وجعلت منها قضية دولية قضية الإرهاب ومكافحته والتي ظهرت بعد أحداث 11 سبتمبر 2000م ) رميت المحاكم الإسلامية بصفة الإرهاب حتى يجدون من يدعمهم من الخارج ولكن المسرحية فشلت وذلك في 2003م وبدلاً من ذلك جعلت المحاكم الشرعية والتي ليس لبعضها علاقة ببعض تتأهب من هذا الخطر وحرصاً على بناء أنفسهم أعلنوا ما عرف بإتحاد المحاكم الشرعية وتم اختيار الشيخ شريف أحمد أحد قضاة محاكم مقديشو الشرعية رئيساً للإتحاد وبدأ التنظيم يكبر و لهذا وجدوا من يدعمهم بالسلاح وبشكل كبير حتى من شيوخ القبائل والسبب أن أمريكا أخطأت من جديد بدعمها لأمراء الحرب الذين شاعوا في الأرض الفساد والدمار فلم يكن أحد ليقبل هذا منهم ليقف مكتوف الأيدي ولتتحول المحاكم إلى تيار عسكري حمل السلاح وقرر إنهاء الحرب الأهلية وكان ذلك في منتصف 2004م وتكونت هذه المحاكم التي قادها القضاة الشرعيون وهي تحمل الأمن والأمان لشعب الصومال ولا أحد يقف معها سوى شعب الصومال المسلم. وكانت أهم نتائج سيطرة المحاكم الإسلامية علي البلد الجريح تتلخص في النقاط التالية : (1). حدوث ثورة تعليمية غير متوقعة لدى المجتمع الصومالي في ظل غياب الحكومة المركزية، حيث اجتاحت جميع ولايات جمهورية الصومال المكونة من ثماني عشرة محافظة تحت إشراف التيار الإسلامي، وأدّت الثورة التعليمية إلى إحياء الثقافة الإسلامية والعربية التي كادت تندثر نتيجة سيطرة أمراء الحرب إرهابيي الصومال منذ انهيار حكومة سياد بري عام 1991م، وعلى الرغم من ذلك فإن المثقفين الصوماليين بمختلف انتماءاتهم الفكرية نجحوا في إنشاء شبكة تعليمية في البلد منذ عام 1993م. (2) بروز قيادات إسلامية من جديد، والتي لم تجد فرصة مواتية منذ عام 1924م، حيث نشرت المبادئ الإسلامية في أوساط المجتمع الصومالي المتعطش لتحقيق هويته وانتمائه العربي والإسلامي. . . وأصبحت مقديشو تخضع - ولأول مرة - لإدارة موحدة وهي المجلس الأعلى للمحاكم الإسلامية باعتراف المجتمع الدولي والإقليمي بكل مكوناته، حتى أمريكا التي قدمت الدعم لأمراء الحرب المهزومين لم تستطع إنكار الواقع الجديد في مقديشو، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما شجّعت على مواصلة الحوار الصومالي في الخرطوم، والضغط على حليفتها الإستراتيجية إثيوبيا بتخفيف حدة التوتر بينها وبين المحاكم الإسلامية، كما طلبت الحكومة الانتقالية بإبداء المرونة في المرحلة الحالية حيال تعاملها مع المحاكم الإسلامية. وعكفت المحاكم الإسلامية في تلك الفترة على اختيار الإدارة المحلية التي تتولى شؤون العاصمة وغيرها من المدن الإستراتيجية التي فرضت سيطرتها عليها إضافة إلى فتح الميناء الدولي في العاصمة لتكتمل الصورة النهائية لمقديشو، وبدأت القيادة العليا للمحاكم الإسلامية تواجه القضايا الكبرى التي تنتظرها ومن بينها : (1) مواجهة المشاكل الأمنية الداخلية منها والخارجية. (2) إيجاد الإدارة القادرة على تولي المسؤولية في المرحلة القادمة. (3) مواجهة مشاكل إعادة الأعمار لتستعيد العاصمة بهجتها ونضارتها. (4) مواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. (5) تحقيق مصالحة صومالية شاملة على هدي الشريعة الإسلامية، في إطار بلورة رؤية إستراتيجية تنهي المشكلة الصومالية بصورة نهائية.
وشهدت مقديشو في تلك الفترة عودة المثقفين الصوماليين على مختلف أفكارهم ومستوياتهم العلمية، استجابة لدعوة المحاكم الإسلامية التي وُجّهت إلى الشعب في وقت سابق أينما كان للمساهمة في إعمار البلد كل على حسب طاقته، مما أعطى المجلس الأعلى للمحاكم الإسلامية فرصة نادرة لجمع النصائح والمقترحات والتوصيات النافعة حول الأسلوب الأمثل لمواصلة الثورة الشعبية بقيادة المحاكم الإسلامية بما يحقق مصالح الشعب الصومالي. . . تابع بالعدد القادمة الحلقة الخامسة بعنوان (أمريكا والمحاكم الإسلامية بالصومال ). <
Shukri_alzoatree@yahoo. com