شكري عبدالغني الزعيتري
. . . . والأغرب من كل ذلك عدم قبول واشنطن بالمحاكم الإسلامية يوم ظهرت عام 2005م كقوة جديدة في منطقة القرن الإفريقي، وإتاحة الفرصة لها للعب دور سياسي، وأمني، واستراتيجي في المنطقة لاختلاف المناهج والمشاريع. من جانب المحاكم الإسلامية في تلك الفترة حين سيطرت علي معظم مدن الصومال نفت الاتهامات الأمريكية الموجهة إليها بأنها خلايا تنظيم إرهابي ، وورد قيادة المحاكم الإسلامية علي هذه الاتهامات بأنها عارية من الصحة، كما أنها لا تهدّد أمن منطقة القرن الإفريقي، وهي ليست مصدر قلق لأي أحد، ودعت أمريكا أن تزور المناطق التي تسيطر عليها المحاكم الإسلامية بدلاًً من إطلاق الاتهامات الملفقة من البيت الأبيض، وأديس أبابا، ونيروبي، وقال زعماء المحاكم الإسلامية حينها على أمريكا أن تحترم خيار الشعب الصومالي، وتدعم الاستقرار الذي عمّ على جميع المناطق التي تسيطر عليها المحاكم الإسلامية، وتوقف مُسودّة قرارها الذي يمر في مراحله الأولى في مجلس الأمن الدولي، والذي يدعو إلى نشر قوات إقليمية في الصومال. وعلى مجلس الأمن الدولي أن يناقش بجدية ما يجري الآن في أفغانستان والعراق؛ لا أن يوجد مشاكل دولية جديدة في السودان وفي الصومال، مسوّدة القرار الذي وزعته واشنطن في مجلس الأمن الدولي في 1/12/2006م كان يهدف إلى تحقيق الأمور التالية:- (1) القضاء على المحاكم الإسلامية التي برزت كقوة جديدة في الساحة الصومالية، مما يعني أن المجتمع الدولي يسعى إلى عرقلة محادثات السلام الصومالية المقرر عقدها في الخرطوم في منتصف هذا الشهر. (2). فتح جبهة جديدة ساخنة في الصومال علي غرار ما تم في العراق،وأفغانستان وفي الصومال هذه المرة لن تخوض القوات الأمريكية معركة مباشرة مع قوات المحاكم الإسلامية، ولكنها حرب بالوكالة، القوات الإقليمية هي التي تقوم بهذا الدور الجديد، وقد تشارك القوات الجوية الأمريكية في العمليات الحربية القادمة بين القوات الإفريقية والمحاكم الإسلامية. (3). إعطاء الشرعية للقوات الإثيوبية المحتلة للأراضي الصومالية تحت مسوّغات واهية وهي الدفاع عن الحكومة الانتقالية الضعيفة. ومهما يكن من أمر فإن أمريكا أصبحت سيفاً مسلولاً على رقاب المسلمين فقط، وعائقاً كبيراً أمام تقدم شعوب المنطقة، وعلى الرغم من أن مشروع قرارها الجديد قد أثار جدلاً واسعاً محلياً وإقليمياً ودولياً لصالح السلام والاستقرار في الصومال في تلك الفترة إلاّ أن واشنطن كانت تدق طبول الحرب في الصومال. فقد أعلنت الولايات المتحدة ومنذ الوهلة الأولى من بدء حملتها ضد ما تسميه الإرهاب أنها لن تتوقف عند أفغانستان بل ستستمر في حربها وستلاحق أعداءها أينما وجدوا سواء كانوا منظمات أو دولا. بل ذهب صقور الحرب في أميركا إلى أبعد من ذلك حيث أعلن الرئيس الأميركي (جورج بوش ) في الحفل الأخير للبحرية الأميركية أن أميركا لن تسكت على أي دولة تخالف رأيها مما تسميها الدول المارقة، بل ستعيدها إلى الصف الأميركي أو لن تنعم هذه الدول براحة. ويقف في الصف بعد أفغانستان عدد من الدول في مقدمتها والعراق وقد تم إلحاق الضرر به ويليه الصومال وحزب الله في لبنان وسوريا وايران واليمن. . ويبدو أن الصومال أكثر هذه البلدان حظوظا ليكون المحطة الثالثة بعد أفغانستان والعراق وأنسبها ولتكون فريسة سهلة للثور الأميركي الهائج في حال قرر صقور الحرب مواصلة المسيرة. . . ففي يوم 18 /2/ 2006م أُعلن عن ميلاد تحالف جديد تحت اسم (تحالف إرساء السلام ومحاربة الإرهاب) بدعم كبير من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن دول إفريقية مجاورة للصومال وخاصة أثيوبيا. وكان الهدف الأساسي من وراء إنشاء هذا التحالف الجديد هو القضاء على ما يُسمّى الخلايا النائمة التابعة للقاعدة(أي المحاكم الإسلامية ) وإفشال الحكومة الانتقالية، مقابل حصولهم على الدعم المادي الأمريكي، والعتاد الحربي الإثيوبي. إذ اندلعت المواجهات الدامية في نفس اليوم الذي أُعلن فيه عن تشكيل التحالف بين القوات التابعة للمحاكم الشرعية، والمليشيات الموالية لأمراء الحرب ( قادة التحالف الجديد ) فانقلبت موازين القوى منذ الوهلة الأولى لصالح المحاكم الشرعية، وذلك للأسباب التالية:- (1) اعتماد أمريكا على أمراء الحرب الفاسدين المتهمين بارتكاب مجازر بشرية في حق شعبهم ، الذي عانى وما زال يعاني من ويلات الحروب الأهلية، طيلة السنوات الست عشرة الماضية. (2) - استهدف ما يُسمّى تحالف (إرساء السلام ومحاربة الإرهاب) أعز شيء وأغلاه لدى الشعب الصومالي ، وهو الإسلام ومبادئه السامية؛ إذ شنوا هجوماً عشوائياً على المدارس والمعاهد الإسلامية، بحسب زعمهم أنها تلقن الأطفال مفاهيم ومبادئ إرهابية تحرضهم على كراهية الولايات المتحدة الأمريكية. (3) - تزامنت تلك الأحداث المأساوية مع كارثة (الجفاف) التي ألحقت خسائر مادية وبشرية في صفوف الأهالي المتضررين؛ ففي الوقت الذي كان الشعب يتوقع من أمراء الحرب تقديم المساعدات العاجلة لهؤلاء البائسين، أعلن التحالف الحرب على الشعب، وبالتالي فإن فرص نجاحه وتمرير برامجه -المسمومة أصلاً- لم تحظ بأي ترحيب من القوى المستنيرة للشعب.
فالقيادة الأمريكية المخفقة في أفغانستان والعراق لم تستوعب الدروس المرة في كل من العراق وأفغانستان. وعلى الرغم من أن أمريكا لم يلحقها خسائر بشرية جديدة في الصومال، إلاّ أن عملاءها الصوماليين قد تم تقتيلهم في الميدان الصومالي وفي اعتقاد الكثيرين فإن أمريكا تلقّت صفعة قوية على أيدي قوات المحاكم الشرعية في الصومال؛ حيث مُني تحالف ما يُسمّى (إرساء السلام ومحاربة الإرهاب) بهزيمة نكراء، وأُخرجوا لأول مرة من العاصمة الصومالية ففزعت قيادة البنتاجون، والبيت الأبيض الذي كان يلوح في ظل رئاسة جورج بوش خلال الأعوام 2006 2008م بمواقف أمريكية متباينة ومتناقضة فمرة تعرب واشنطن عن قلقها العميق تجاه التطورات المتسارعة في الصومال، ومرة أخرى تعلن عن دور قريب قد تلعبه في الصومال لإعادة بناء المؤسسات الحكومية المنهارة، وتقديم الدعم المطلوب للحكومة الانتقالية الحالية، وذلك لسبب واحد وهو سحب البساط من تحت أقدام التيارات الإسلامية في الصومال، وفي سبيل تحقيق ذلك بدأت تغازل الحكومة الضعيفة الصومالية، بشرط أن تتعهد بالقضاء على المحاكم الشرعية. . وبرغم مؤتمر المصالحة الذي فيه تصالحت قيادة المحاكم الإسلامية فرع (جيبوتي ) بقيادة شيحخ احمد شريف مع الحكومة الحالية وأسفر عن هذا الصلح والاتفاق علي تقاسم السلطة الذي وقع علية بحضور الأمم المتحدة في جيبوتي بتاريخ 25/ نوفمبر 2008م. . . إلا انه تبقت أطراف أخرى غير راضية وهم قيادة المحاكم الإسلامية فرع (أسمرة ) مع وجود تنظيم الشباب المجاهدين يصارع حربا في الميداني الصومالي. . ورغم أن الرؤية الأمريكية الجديدة التي تحملها إدارة الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب (باراك اوباما ) لم تتضح بعد معالمها حتى الآن تجاه التطورات الأخيرة في الصومال. . . مما يعني أن الساحة الصومالية قد تكون مرشحة أيضا إلى مزيد من الانفجارات الدامية. . . . . تابع بالعدد القادم الحلقة السادسة بعنوان (الغزو الأثيوبي للصومال).
Shukri_alzoatree@yahoo. com