سراج الدين اليماني
وكما وعدتكم بأن أذكركم بهجرة دير ياسين القرية الصغيرة التي تقع على مشارف القدس وماذا عمل بها وبأهلها الجلاوزة والجزارين من العلوج الصهاينة، فندع القلم يسطر هذا التاريخ الأسود للصهاينة ولحكام العرب آنذاك والذين سكتوا عن هذا الإجرام وهي تعتبر عار في جبين كل حاكم عربي عاش أحداثها ولم يرسل بجنوده لكي ينصروا هذا الشعب الأعزل الصامد البطل.
كانت هذه القرية العربية تعيش في بحبوحة من العيش، يسكنها "775" نسمة من العرب المسلمين، ويملكون "1700 دونم للحبوب والثمار" وبينهم تجار ومقاولون، ويحيون حياة يسر ورخاء، كان فيها مسجدان ومدرستان ونادي للرياضة، وكانت محاطة بمناطق صهيونية يربو عدد سكانها على مائة وخمسين ألفاً.
اتفق قادة عصابتين من العصابات الصهيونية وهما: مردخاي كوفمن قائد قوات عصابة الآرغون في القدس مع ديفيد شالتائيل قائد عصابة الهاجاناه والبلماخ في المنطقة، اتفقا على القيام بعمل مشترك ضد دير ياسين لترويع السكان الآمنين وحملهم على مغادرة قراهم مما يسهل على الصهاينة عملية الاستيلاء على الأراضي العربية.
وفي تمام الساعة الرابعة صباحاً من يوم السبت الموافق 10 نيسان 1948م تحركت القوى الصهيونية بكامل أسلحتها نحو القرية الآمنة، وهي مجردة من السلاح والمجاهدين، وداهموا القرية فحاول أهلها العزل الوقوف في وجه الغاصبين، وفي وجه هذه الوحشية واستبسلت قلة أمام الجيش الغازي ولكن دون جدوى، فدخل الصهاينة القرية التي ما كان عدد سكانها يزيد عن ثلاثمائة نسمة معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال، ودارت مجزرة رهيبة جداً استمرت ثلاث عشرة ساعة تمكن الصهاينة خلالها من قتل "250" شخصاً منهم "125" امرأة حبلى، وأخذوا يبقرون بطونهن ويقطعون الأجنة بحرابهم وهم يطلقون صيحات الظفر والانتصار، ولكن لا حياة لمن تنادي، كما قتلوا "52" طفلاً دون العاشرة، وقطعت أوصالهم أمام أمهاتهم وقتلوا ما بقي من النساء والشيوخ والعجزة وبعض الشباب الذي كان متواجداً في القرية.
ثم أخذوا بعض النساء العربيات وجردوهن من ملابسهن، وأخذوا يطوفون بهن في سيارات نقل مفتوحة في الأحياء الصهيونية في القدس فرحين مهللين مدعين أنهم ينفذون مشيئة الرب إله إسرائيل الذي يأمر شعبه أن يقتل بحد السيف كل من في البلدة رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً، حتى البقر والحمير والغنم، أما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد فيضعونها في خزانة بيت الرب.
انظر: "اليهود تاريخ إفساد وانحلال ودمار" (ص186-187).
وفي اليوم التاسع من أبريل نيسان 1948م وقبل أن ترسل أنوار الفجر أشعتها، والقرية نائمة هادئة، كان اليهود يهاجمونها من جميع الجهات، أرسلوا طائرة رمتها بعدة قنابل، وتقدم جنودهم تحميهم خمس عشرة دبابة، وكانت الحملة اليهودية كبيرة جداً، ولم يكن المسلحون بالقرية يزيدون عن خمسة وثمانين مسلحاً، وصحا أهل القرية على دوي انفجارات مرعبة مفزعة، وهبوا يدافعون عن قريتهم وأراضيهم، واستمرت المعركة بغضها وغضيضها إلى الثانية والنصف ظهراً، لم يثن الأبطال الأشاوس طحن الدبابات الصهيونية، ولا هدمها لمنازلهم، وتحولت المعركة على طريقة الكر والفر وكانت المطاردة والملاحقة من بيت إلى بيت، ومن ركن إلى ركن، وشهد ذلك الصباح بطولات خالدة في قتالٍ منقطع النظير لسكان تلك القرية التي داهمها اليهود فجأة وعلى غرة.
ولم تتخلف نسوة دير ياسين، بل كن يمدون المقاتلين بالذخيرة، ويقفن صفاً واحداً في المعركة مع الرجال تلك المعركة التي لم تهدأ إلا عندما نفدت ذخائر العرب ساعتها تمكن الصهاينة من تفتيش شوارع القرية ومنازلها، واستحلوا القتل والتمثيل بالجثث في سكان القرية لا فرق عندهم بين الشيوخ والأطفال وكان بين النسوة خمس وعشرون حاملاً رموهن كلهن بالرصاص ليردوهن قتيلات وداهموا الدور فقتلوا العجزة والمسنين ورموا بجثثهم من الشرفات.
هذا ليس بإرهاب أبداً في منظور المنظومة الدولية صاحبة المكاييل المتعددة، وإنما الإرهاب هو ما فعلته حماس من أسر الجندي اليهودي شاليط جلعاد وقام العالم بأسره بما فيه العرب والمسلمين يحتجون على حماس ويطالبونها بإطلاق هذا السوسة اليهودي ونسوا وتناسوا أن هناك عشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين ولأنهم مسلمون لا أحد يلتفت إليهم وكما قيل:
وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر
وقتل رجل في غابة جريمة لا تغتفر
وبينما كانت هناك امرأة عربية تحاول إنقاذ زوجها الكفيف البصر وتوقده صارخة ضارعة أطلقوا عليها الرصاص صامين آذانهم عن دعاء الإنسانية، وبينما كانت إحدى السيدات مع طفلها الصغير أطلقوا عليها الرصاص فقتلوها مع طفلها، وتلك السيدة مدرسة القرية، والتي كانت تسعف الجرحى حاملة شارة الصليب الأحمر اليهودي رموها بالرصاص فأردوها قتيلة وسط جراحها وأناتها، وهناك أسر أبيد معظم أفرادها في تلك القرية الصغيرة في ذلك الصباح الذي لا ينسى، ولم يرحموا حتى النسوة العجزة والشيوخ الكبار، فقد كان رصاصهم يقصدهم ويحصدهم حصداً على مختلف أحوالهم، وقد مثلوا بالقتلى وأرغموا الأسرى على أن يدوسوا جثثهم، وأخذوا سبعة من الأسرى فطافوا بهم شوارع القدس الجديدة، ثم عذبوهم في شوارع القرية على مرأى ومسمع من أسرهم، ثم غابوا في غياهب المجهول إلى اليوم واتجهوا إلى نسوة القرية اللاتي فاتهن دور الموت، سلبوا حليهن وكل ما يملكن وجردوهن من الحجاب وسيروهن حافيات القدمين عاريات الرؤوس والوجوه، وأخذت تلك الأشلاء الباقية من الأسر طوابير في شوارع القدس بين سب الصهاينة وتشهيرهم، ثم أودعن المستشفى الإيطالي اليهودي في ضواحي مدينة القدس الجديدة حيث توزع ذلك الجمع الحزين بين القدس العربية ومختلف القرى.