اعداد مركز الشموع للدراسات والبحوث
تبدو الخارطة الإقليمية بكل جوانبها السياسية والأمنية والإستراتيجية تعيش في كنف تداعيات خطيرة وأن بدت هذه التداعيات بأطياف عبثية وإدارة طوعية تعكس أو تعبر عن قناعات أبطالها كما هو الحال في المشهد السياسي ( الباكستاني) وهو مثير وخطير رغم المسحة الخاصة التي يحاول أبطال المشهد _ الباكستاني _ عنونت بهاء مسارهم الوطني المجبول بكل النوازع الإقليمية والدولية , بعد أن تبلورت صورة هذا المشهد بأطيافه الموزعة بين الرغبة الإيرانية والإرادة الأمريكية دون التفكير بما تتطلبه المصلحة الوطنية _الباكستانية _ الغائبة عن أطياف المعترك وألوان الحراك الممتد بمخاطرة لدرجة يصعب التنبؤ بنتائجها وفق منطق الراهن إذ ما واصل هذا الراهن المضي بتداعياته حسب المنطق السائد والذي يعنون حراك وتداعيات المشهد الوطني الباكستاني ..
قد لا يدرك البعض وربما الكثيرين أن تداعيات ومعطيات المشهد الباكستاني تحمل مؤشرات خطيرة قد تكون نتائجها كارثية على المنطقة برمتها فالأمر الذي يعتمل في وعلى الخارطة _ الباكستانية _ تبعاته لن تقف قطعا في نطاق الخارطة _ الباكستانية _ لكن كثيرة هي المؤشرات الدالة على أن ما يحدث على الخارطة الباكستانية من شأنه أن يغير الكثير من المعادلات والمفاهيم السياسية على نطاق خارطة الشرق الأوسط وكذا تمتد مؤثراته إلى نطاق خارطة العلاقة الإقليمية والدولية أي علاقة مكونات الشرق الأوسط بدول العالم ومحاوره وخاصة على صعيدي العلاقة مع أمريكا وأوروبا , ناهيكم عن علاقة مكونات الشرق الأوسط مع بعضها وما يترتب على هذا التغير من معطيات سلبية تفقد الكثير من دول المنطقة ما يتصل بمصالحها الإستراتيجية وما يميز خصوصية علاقة بعضها بالبعض الأخر ..!!
قد لا نكون سباقين في القول أن باكستان تعد الخاسر الأكبر في معادلة سياسية يمكن وصفها اختصارا بمعادلة الانتحار السياسي الإستراتيجي وهي المعادلة التي تعيشها باكستان سياسيا وأمنيا على ضوء تداعيات الأزمة الراهنة والقائمة بين _باكستان _ وخصمها التاريخي _ الهند_ وهي الأزمة التي أخذت كل من _ واشنطن _ وطهران_ بناصيتها ومن ثم راح كل طرف يخضع أطياف الأزمة وفق منطقه الخاص ورغباته ومصالحه وأهدافه الإستراتيجية ..
في هذا السياق نجد كل تداعيات ومعطيات الأزمة _الباكستانية _ أولا _ ثم الأزمة الناشبة بينها وبين جارتها اللدودة _الهند_ هذه الأزمة بفرعيها وجزئيتها موجه بصورة أساسية ضد _ المملكة العربية السعودية _ التي تعد الخاسر الأكبر في معطيات الأزمة الباكستانية حيث تشتعل فوق وعلى مساحة من نفوذ _سعودي_ كبير وعلاقة إستراتيجية خاصة قامت وعنونت العلاقة السعودية _ الباكستانية على مدى قرابة نصف قرن من الزمن توطدت خلالها هذه العلاقة حتى كانت شبه راسخة وصلبة ومتينة وغير قابلة للاختراق غير أن ثمة ظواهر برزت تداخلت دوافعها وأسبابها جعلت هذه العلاقة قابلة للتصدع وفي نطاق الاستهداف المحوري الإقليمي والدولي , فالنفوذ السعودي في باكستان يتقلص ويتراجع تحت وطئ ضربات قاصمة توجه لخارطة النفوذ السعودي أو تلك المسميات التي كانت محل اهتمام _الرياض_ ومحل ترحيب وامتنان الشارع الباكستاني هذا أولا .. ثانيا . برزت الأزمة الباكستانية _الهندية على ضوء متغيرات سياسية داخلية أوصلت رئيس باكستاني جديد يدين بالولاء والطاعة _لطهران_ فيما يحظى بمباركة _واشنطن_ وهنا تضاف الظاهرة التوافقية فيما بين _واشنطن _ طهران_ إلى سلسلة المحطات التوافقية التي تجمع ولا تفرق _طهران _ عن _ واشنطن_ حتى أن المراقب لمعطيات الأجندة السياسية الجدلية القائمة بين واشنطن وطهران يستغرب من صدف هذا التوافق الذي يجمع الخصوم في أكثر من محطة ويحولهم إلى أصدقاء وأصدقاء من العيار الثقيل , فالتوافق الأمريكي _الإيراني ' في العراق وأفغانستان وأخيرا في باكستان وشبه القارة الهندية , هذا التوافق يربط ما بين فرقا الخصومة ويحول خصومتهم إلى صداقة وتناغم ومودة وتفاهم فالقواسم المشتركة التي تجمع اليوم _ واشنطن بطهران _ زادت واتسعت وغداء من الصعوبة بمكان الجزم بجدية الخصومة التي غدت روابطها أكبر وأقوى وأمتن من أن تنال منها خصومة عابرة أو سيناريو رتب له سلفا في مرحلة قبل وما بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق وهو الغزو الذي نال رضاء ومباركة _ طهران_ التي بدورها لم تتأني في رد الجميل لواشنطن في أكثر من منطقة وخاصة في البلقان بل وفي العراق حيث العقدة الحقيقة لأمريكا ولكن _طهران_ أسندت خدمات جليلة لواشنطن وساعدتها على بسط ولو محدود لإرادتها على العراق وأن في نطاق المنطقة الخضراء ومسميات النخب الحاكمة في العراق والتي تدين بالولاء الكامل عقائديا لطهران ومرجعيتها في ( قم ) الإيرانية ناهيكم أن المرجعية النشطة والمسموعة في العراق هي مرجعية _السيستاني _ وهي المرجعية التي باركت الاحتلال وحسب الحاكم العسكر الأمريكي للعراق _ بول بريمر_ فأن السيستاني _ كان له الدور الأكبر في تهدئة الشارع العراقي وخاصة _طائفة الشيعة _ الملتزمين بالولاء والطاعة _ وأقول هذا حتى لا أظلم الكثير من قادة المقاومة العراقية وهم من الطائفة الشيعية ولكنهم لا يدينون بالولاء للمرجعيات ولا يؤمنوا بأكثر من كون المرجعية بمن فيها مجرد وكر للارتهان والتبعية لطهران وهولا ينظروا للسيستاني باعتباره خادم لملالي طهران وسادن للاحتلال وحسب , لكنا في ذات الوقت لا ننكر على أن ما يجري في أفغانستان وباكستان شكل من أشكال التوسع المذهبي الذي تستغله _طهران_ تحت عباية واشنطن ومسميات سياسية وظواهر أزماتية متنوعة غايتها في الأخير تقليص نسبة النفوذ ( السني) وضرب مناطق النفوذ _ السني _ حيث يتاح الأمر وتكون الفرصة مناسبة ومتداخلة كما حدث في باكستان ويحدث حيث يتم ظرب النفوذ السعودي ويحاصر هذا النفوذ في أكثر من نطاق وقد يكون من الخطاء الحديث عن هذا الأمر وبهذه الشفافية لكن معطيات واقع لم تترك للمراقب متسعا من الحصافة لتجاوز هذا المفهوم التحليلي الضيق والقاصر والذي كنا ولا نزال نحاول نبذه وتجاوزه ولكن لم يترك لنا الأخر بكل ظواهر الأحداث فرصة أو متسع لغير هذه الرؤية التي حيث ما نوجه وجوهنا نجدها ونجد تفسيرات كل حدث تصب في هذا الاتجاه الذي لم نكون نحبذه لكن شواهده صارت تحكي وتعبر عن نفسها كما تعبر _ طهران _ عن حضورها في معطيات شئون المنطقة من خلال هذا المسار المذهبي والطائفي المجبول بكل ثقافة النزق والتقصير والجهل بكل قيم الهوية والانتماء ..!!
أن العزف على الوتر المذهبي ومحاولة العمل بجدية على تصفية النفوذ _ السني _ وسيلة ابتكرها الثنائي التآمري _ طهران _ واشنطن_ في محاولة من واشنطن تود الرد من خلالها على تداعيات _ 11 سبتمبر 2001م _ وظرب أبراج منهاتن_ فيما طهران استغلت الموجة والحرب التي دشنتها واشنطن ضد الإرهاب وهي تقصد حرفيا ضرب النفوذ والحضور الإسلامي _ السني _ أينما كان وحيث يكون طبعا لم تعمل أو تقول بهذا واشنطن بوضوح لكن كل تصرفاتها تؤكد وتكشف هذه الحقيقة ومثلها سارت _طهران _ التي وجدت الفرصة لتصفية حساباتها مع كل العرب والمسلمين _السنة _ وخاصة أولئك الذين كان لهم موقف من الحرب العراقية _ الإيرانية , إذ تعمل طهران وبكل شفافية على معاقبة كل قومي عربي ناصر الشعب العربي في العراق في مواجهة طهران هذا أولا وثانيا تحاول طهران وبقدر من دبلوماسية التقية أن تصل إلى أهدافها الإستراتيجية بقدر من الذكاء والحرص على أن لا تكشف كل أوراقها وأن تم كشف بعضها فأنها وبدافع من _ دبلوماسية التقية_ تعمل على التدثر بعباية الثورية والنضال والدفاع عن حقوق المقهورين في فلسطين وفي هذا البلد أو ذاك لكنها لا تذكر ولا تحب أن تذكر مقهورين أو يمكن أن نصفهم _مجازا _ بهذا الوصف وهم مقهوري _كشمير والشيشان_ ..وهولا لم يحدث أن أشارت لهم طهران ولو مجرد إشارة عابرة من قبل ولا نعتقد أنها قد تشير لهم لا حقا فهولا لا ينتمون لطابورها ولا يمكنها بالتالي أن توظفهم لصالحها أو تتاجر بمعاناتهم وتسخرها لخدمة أهدافها الإستراتيجية ..!!
لذالك تبدو السعودية هي الهدف على أكثر من صعيد فهي مستهدفة _ سياسيا وماليا وقدرات وقيم _ من قبل أمريكا ومنظماتها الحقوقية المتعددة وهي مستهدفة أوروبيا ماديا وثقافيا وهي مستهدفة _إسرائيليا _ باعتباره الخيار الصهيوني المتاح والمطلوب موقفها من خلال الغمز من قناة مبادرتها والغاية التطبيع مع الصهاينة باعتبار أن السعودية هي نقطة الاستقطاب للطائفة _الإسلامية السنية _ وهذا يعني التأثير الحتمي بجموع الحركات الإسلامية ذات الهوية _الريدكالية _ والتي من السهل تطويعها وأن بقليل من الصبر ولكن هذا لن يتحقق بدون جلب السعودية إرادة وموقف وخطاب إلى _الإسطبل _ الصهيو_ فارسي _ أمريكي_ فيما طهران تستهدف السعودية _ مذهبيا وعقائديا وفكر وثقافة وتاريخ ونفوذ وهوية ودور ومكانة وقدرات وبالتالي تعمل طهران جاهدة على الزج بالرياض في طريق التفاوض مع الصهاينة عبر تطويق الأخطار المزعومة وحين يحصل التوافق التقارب السعودي الصهيوني تحت أي ظرف سياسي أو مسمي عربي أو إسلامي أو دولي فأن في تلك اللحظة تبدأ طهران بتوظيف الظاهرة ومن ثم العمل وبشفافية ضد كل نفوذ سعودي بل سوف تصبح السعودية في مرمى المزايدة الإيرانية ثقافيا وفكريا في ظل فشل أمريكي وأوروبي على إدارة الأزمة في المنطقة وهو الفشل الذي سوف يجعل واشنطن أكثر توددا لطهران منها إلى صداقة أو تحالف مع السعودية وهذا ما برزت مؤشراته في باكستان وهو ما يدل على خطورة فعليه تواجه السعودية وكل دول المنطقة ناهيكم عن الطائفة السنية التي هي وبكل شفافية هدفا لكل من طهران وواشنطن وفق كل الدلائل الماثلة والتي يصعب تفسيرها بغير هذا التوجه والغاية .. السؤال هو هل تدرك السعودية بمؤسساتها ومراكزها البحثية وأجهزتها كل هذه الحقائق ..؟؟