فارس الصليحي
من العجائب والغرائب في زماننا أن المرء يقاس بمظهره بخلاف الماضي، حيث أن المرء بجوهره ومن جمع بينهما نافسه الناس في مأكله ومشربه ... إلخ
ولئن الذي يدل على صاحبه كما قيل فقد كان في الماضي هناك ضوابط لكل شريحة في المجتمع، فالعلماء لهم لباس وزي حميد، وكذلك الأمراء والحكام والقضاة والجنود وطلاب العلم والعامل والراعي وكل طبقات وفئات المجتمع إلخ ولكون زيك يدل عليك دعي ذات مرة الإمام الشافعي رحمه الله لوليمة غداء عند أحد الأمراء وذهب دون أن يلبس لباس العلماء المعروفة والمألوفة عند الخاصة والعامة، فلما وصل قصر الأمير وأراد الدخول إذا بجماعة من الناس والفرسان يمنعوه من الدخول ويطردوه من باب القصر وكلما صاح فيهم أنه الإمام الشافعي كلما هموا بضربه وطرده أو حبسه لم يتمكن الإمام الشافعي من دخول القصر رغم المحاولة بكل الوساطة فرجع لمضجعه ومنزله ولبس لباس العلماء وانطلق مرتة أخرى إلى قصر الأمير فلما وصل إذا بالحراس يفسحون له الطريق ويتسابقون في خدمته وإيصاله إلى أماكن كبار الضيوف وضل الإمام صامتاً مستغرباً مما حصل له وبعد تناول الغداء قام الأمراء والمستشاريون والعلماء بمصافحته مع الأمير شاكرين للأمير حسن الحفاوة والضيافة إلا الشافعي لم ينطق ولم يقدم أي شكر للأمير، فلما سأله الأمير عن حاله رد عليه قائلاً أنتم أكرمتم هذه الجبة ولم تكرموا الشافعي بذاته وبالتالي على الجبة أن تقدم لكم الشكر تعجب الأمير ولم يدرك المعنى حتى وضح له الشافعي سرزيك يدل عليك إلخ وفي زماننا الكثير من الناس يحكم على الشخص بمجرد منضره وملبسه وهي الموضة التي لجأ بعض أصحاب النصب والاحتيال على الناس والمسؤولين ورجال المال والأعمال والبعض لا يقتصر على ملبسه فحسب بل ربما اتخذ من الملبس والهاتف والسيارة مظهراً للهندام للوصول بهم لكبار المسؤولين ونيل مأربه وفعلاً يحصل ذلك مع زماننا كون بعضهم طبقات المجتمع تخيم عليهم المظاهر دون الأفعال والجواهر إلخ وذات مرة دعي شيخ كبير من مشائخ اليمن لحفلة عرس لتناول الغداء، فلما وصل مكان العرس لم يأخذ معه الحراسة التي اعتاد عليها ولم يلبس اللبس الذي عرف به ولم يأخذ السيارة الفاخرة وذهب بمفرده وأثناء الدخول لم يفسح له في أماكن كبار الضيوف وأثناء الغداء ذهبوا به إلى مائدة البسطاء والمساكين والشحاتين وخصوصاً أنه كان ساكتاً لا يحرك ساكناً إلى أن أتى وقت ما يسمى بالرفد للعريس فقفام الجميع بتقديم الرفد بحسب التفاوت في منزل.. الحضور من كبار الضيوف والمسؤولين ثم الأوسط ثم الأدنى ثم قام صاحبنا الشيخ الكبير ورفد مبلغاً في شيك يقدر باثنين مليون ريال للعريس مسبوق الدفع تعير الحضور من هذا الرجل ومن يكون وهل يعتبر شخصية كبيرة وهو بلا مرافقين ولا ملبس قاهر أو زي وهندام باهر ومن أين له ذلك المال والثروة إذا كان من البسطاء حقيقة وشاع خبره في القاعة أن رجل مجهول رث الثياب أكل مع الشحاتين والبسطاء وكان أكثر الرافدين للعريس وأدفعهم للمبلغ سالف الذكر إلى أن قام لمعرفته بعض الشخصيات السياسية فعرف أنه الشيخ الكبير فلان بن فلان فرجع بلهف خوفاً وفزعاً وحيائاً ويخبر الضيوف وأهل العريس كيف يمكن أن نهجر ونرضي الشيخ فلان بن فلان على ما بدر منا فقام بعض الوزراء والمسؤولين وطرحوا بين يدي الشيخ جنابيهم لتحكيمه بما يأمر فعفى عنهم جميعاً ورد اللوم على نفسه أنه هو السبب الذي وضع نفسه كذلك من باب من تواضع لله رفعه وأزهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس الحديث الزي والملبس ما يعجب الناس إلخ وكان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وكذا خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنهما إذا أرادا الخروج لتفقد أحوال الناس يتجردا عن زي ولبس الأمراء ويدخلون أوساط العامة والناس متنكرين لمعرفة احتياجاتهم ومعاناتهم وشكاويهم لحلها وقضائها وقد أشيع ذات مرة أن فخامة الوالد الرئيس/ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية حفظه الله يقوم بمثل هذه الأفعال في أمانة العاصمة وغيرها من المحافظات دون أن يعرفه أحد لتلمس حوائج الناس ومعرفة مدى الانضباط الأمني إلخ
ومن منضور شرعي يعد الزي أو الملبس واجباً وسنة، فالواجب ستر ما بين السرة والطركبة وما زاد على ذلك نعمة والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ما لم يكن فيه كبر وخيلاء على الفقراء والمساكين، وأعظم الملبس لرسول الله صلى الله عليه وسلم الأبيض كونه لباس الملائكة وفي عصرنا الحاضر يعد الزي أعظم نموذج لصاحبه لمعرفة هويته وعمله وصفته فلباس الجندي يدل على أنه الجندي ويقاس عليه مع الفوارق الأخرى التي تميز رتبته في العمل العسكري وقس عليه كل لباس الهيئات والطبقات الأخرى والعالم والحاكم له زي يميزه عن غيره وكذا الدكتور الطبيب والدكتور المدرس والطباخ والمهندس والطالب والطالبة والرجل والمرأة والطيار والعامل والشحات هؤلاء جميعاً كل ملبس وزي يختلف عن الآخر ويصبح زيه يدل عليه.
وبالمقابل دول الجوار كل دولة لها زي يدل عليها وهذا معلوم عند الخاصة والعامة ليضل البلد الوحيد اليمن الذي خلط بين كل الأزياء فلبس كل أنواع الملابس المعروفة عند كل الطبقات ليضل الزي الوحيد الذي يفرق بين المجتمع هو زي القوات المسلحة والأمن وزي العمل التنفيذي الآخر سواءً الرسمي أو البلدي وفي الأول والأخير زيك ولبسك وهندامك يدل عليك كما قيل وإن دل هذا فإنما يدل على أن الديمقراطية في اليمن حتى في الملبس والمأكل والمشرب إلخ والله المستعان على ما تصفون.