القبيلي
أبوها عاشت أياماُ صعبة، ثم انتقلت للعيش معنا في المدينة كانت فتاه عادية لا تهتم
بالصلاة ولا تعتني بأمور الدين ولا تعرف إلا القليل عن الحلال والحرام لم نكن نتوقع
يوماً أن تكون سبباً في هدايتي وهداية العائلة كلها لا اذكر بالضبط كيف كانت بداية
عودتها إلى الله ولكني اذكر أنها كانت تواظب على سماع المحاضرة التي تُقام في حينا
أسبوعياً تغير حالها التزمت بالحجاب حتى داخل المنزل، في الأعراس والمناسبات بل حتى
في صحوها ومنامها تركت مشاهدت المسلسلات الخليعة وسماع الأغاني الماجنة، واحتجبت عن
غير محارمها.
لو تعلمون كيف كانت
علاقتها بالصلاة فلها مع الصلاة حكاية حب وقصة عشق أظنها كانت تشعر بشعور الحبيب
المصطفى صلى الله عليه وسلم. .
«أرحنا بها يا بلال» سجادتها عالم آخر، ما أن تضع
قدميها عليها حتى تغيب عن دُنيانا وتسبح في ملكوت الله تعالى فهي تستعد لكل صلاه
قبل دخول وقتها وإذا استيقظت لصلاة الفجر فلابد أن يستيقظ كل من في البيت للصلاة
لأنها لا تنام حتى تتأكد أن الجميع قد قام للصلاة ولها في الليل وقفة طويلة بين يدي
رب الأرباب وملك الملوك، تدعوه وتناجيه وتسبحه سبحانه والبيت يغط في سبات عميق، أو
مرابط أمام شاشة التلفاز أما المصحف فلكثرة ما تراه بين يديها تقرأ أو تحفظ يخيل
إلى الناظر أنه قطعة منها كما أن نحول جسدها لم يمنعها من مداومة صيام النوافل ولم
يمنعاها فقرها وحاجتها من الصدقة فكانت ممن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة
فقد كانت تجمع ما تحصل عليه من زكاة أو صدقة وتسارع إلى مساعدة الأيتام ولا تغفل عن
تفقد المساكين اشتهرت بين الناس بكراهيتها الشديدة للغيبة والنميمة حتى لا يستطيع
أحد أن يغتاب في حضورها لأنها لابد ستوقفه، وإذا فشلت في منع الغيبة فسرعان ما
تغادر ذلك المجلس دفتر محاضراتها يلازمها في كل مكان تذهب إليه ولا تفوتها مناسبة
أو فرصه، أفراح و أتراح إلا وتذكر الناس بالله تعالى ولا يراها احد إلا ذكر الله
تعالى وصلى على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ومرت الأيام وكتب الله تعالى لها
الزواج من ابن خالتها الذي جمع كل الصفات التي كانت تتمناها وشعرت أن الله تعالى قد
من عليها بهذا الزوج وكافأها.
وبدأت تشعر بالسعادة التي فقدتها بعد وفاة والدتها
ومقتل والدها وما أن مرت أشهر قليلة على زواجها حتى بدأت الآلام تدب في أوصال ذلك
الجسد النحيل إنه مرض السرطان سرطان خبيث هاجمها من عدة جهات أصيبت بسرطان بالغدد
اللمفاوية وسرطان النخاع الشوكي وبدأت رحلة العلاج القصيرة ذهبت لزيارتها وهي طريحة
الفراش، رأيت جسدها قد ازداد نحولا حتى لم تعد تستطيع المشي على قدميها هي لا
تستطيع النوم على ظهرها أو بطنها أو الجلوس بشكل طبيعي. .
كل ما تستطيعه هو
الجلوس على جنب واحد لا تغيره ورغم آلامها إلا أن البسمة لا تزال مرسومه على شفتيها
والحنان يشع من عينيها وحديثها لم يتغير فمازالت تحدث زوارها عن حب الله تعالى وعن
الحلال والحرام وتواظب على سماع محاضرة الشيخ القرني " لا تحزن" وفي الساعات
الأخيرة من حياتها رأيتها وهي تعالج سكرات الموت " اللهم هون علينا سكرات الموت"
عيناها شاخصتان، شهيق وزفير وكأنها تتنفس من خرم إبره هكذا يوماً كاملاً كل ما
تستطيع فعله هو رفع أصبع السبابة كلما ذكرنا أمامها لا اله إلا الله.
قال خالها
الذي لازمها قبل الفجر : أنها لما سمعت صوت المؤذن ينادي للصلاة رفعت أصبعها وصلت
به ماتت بعد الفجر رحمها الله تعالى. .
وحضرت غسلها وتكفينها ولما جاءت إحدى
صديقاتها لرؤيتها كشفنا الغطاء عن وجهها. .
والله ثم والله أني رأيتها مبتسمة
لطالما سمعت المشائخ يتحدثون عن علامات حسن الخاتمة التي رأوها على بعض الموتى وكنت
أقول مبالغات لكنها ماتت وهي مبتسمة.
ماتت ولم تمت أفعالها الطيبة. .
ماتت ولم
تمت آثارها الزكية ، ماتت ولم تمت لمساتها الحانية. .
ماتت وسيرتها في قلوبنا
باقية.
إضاءة: والناس صنفان موتى في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياء اللهم
ارحمها رحمة واسعة واجزها عنا خير الجزاء.