شعر أم بدعة؟
سئل أحدهم: لم لا تقول الشعر مع علمك به؟
فأجاب: علمي به يمنعني عنه.
ويعلق حسين حجازي قائلاً : رحم الله الرجل علم أنه لا يعلم فترك ما لا قدرة عليه وعزف عما لا طاقة له به ، طيب الله ثراه كان قدوة وكان للناس به أسوة فبقي الشعر العربي في نجوة من العلم وظل خارجاً عن متناول الذين لا يبدعون فاحتفظ ببريقه وامتنع في أبراجه لا يرقى إليه الوهن ولا تنتابه الرطانة.
حرية آخر زمن:
نحن العرب في هذا الزمن لا أدري لماذا نطالب بالحرية في كل شيء ونبحث عنها في كل شيء وكأننا عبيد أو أننا نعيش في سجن كبير , الأغلال في أعناقنا والانكال في أقدامنا طالبنا بحرية الأوطان فأتى بها الاستعمار ، وطالبنا بحرية النسوان فأصبن بالاسترجال ، وطالبنا بحرية الفعال فكان الإنحلال ، ودافعنا عن حرية الأقوال فتجرؤوا على العزيز الغفار.
حتى في الشعر تجرأنا على قلاعه وقلنا إنها سجون وأقنعنا أنفسنا أن أنغامه وقوافيه ما هي إلا قيود يجب تجاوزها واستسلمنا لثقافة الوافدين وأسلمنا قيادنا لأعداء لغتنا وتاريخنا ، كنا متآمرين جبناء حين تصفحنا الجرائد بالهرطقه والتهاويم مغلفة برداء الشعر وتقبلنا ذلك بإذعان، زاعمين أنه التجديد , متناسين أنه البدع والضلالة مغلفة بباطل الحداثة وما مثل بعض المحدثين إلا كمثل الأخسرين أعمالا كما قال الأستاذ حجازي.
قال تعالى " قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ".
صباحية نثرية:
في رأسي جزمة
رأسي قصعة فول مهترئة
معدتي في جيبي
والحليب النيدو بـأربعمائة
استُقبلت هذه الكلمات بالتصفيق الحاد والابتسامات التي تنم عن الرضى والإعجاب ، أما أنا وأخواتي فقد استقبلناها بالضحك وكلما أردنا أن نضحك نجلس نستمع إلى هذا الذي يسمونه نثراً وشعراً حداثياً فهو أشبه بالنكتة ويشبه إلى حد كبير شعر الحاجة " نعمة " مضرب المثل عندنا في عصد الشعر ومما جادت به قريحة الحاجة نعمة :
ما سيدة بنت أخي أسعدها الله
مأكلها شاهي
وتمر بالصبح
حُبيبي يا تمر صالح أخي
لا انته على حسي ولا عنيتوك
وقد ذكر بن الجوزي من أخبار من قال شعراً من المغفلين ما يلي:
عن المبرد قال : قال الجاحظ أنشدني بعض الحمقى :
إن داء الحب سقم
ليس يهنيه القرار
ونجا من كان لا
يعشق من تلك المخازي
فقلت له : إن القافية الأولى راء والثانية زاي ، فقال : لا تنقط شيئاً.
فقلت : إن الأولى مرفوعة والثانية مكسورة ، فقال الأحمق: أنا أقول لا تنقط وهو يشكل طلاسم من يفكها.
دخل أبو علقمة النحوي على الطبيب فقال :
أمتع الله بك إني أكلت من لحوم هذه الجوازم فطسئت طساة فأصابني ألم من الوالبة إلى ذات العنق
ثم مازال يربو وينمو حتى خالط الحلب والشراسيف فهل عندك دواء؟
فقال الطبيب : خذ حلقفاً وسلقفاً وسرفقاً فزهقه وبهرقه واغسله بماء روث واشربه ، فقال أبو علقمة: لم أفهم عنك .
قال الطبيب: كما افهمتني افهمتك.
وأنا استمع إلى قصائدهم النثرية لا أفهم منها شيئاً فالتعمية والإيغال في الرمز يجعل الشاعر هو المرجع الوحيد في فهم القصيدة ويظل المغزى والمعنى في بطنه ، ونحن تنتفخ بطوننا من الطلاسم والأحاجي التي لا نعرف حلها ولا فكها ولا حتى ترجمتها.
ونعود للقافية:
يقول عبدالرحيم محسن:
لقد تخلص البعض من القافية سواء في القصيدة العمودية أو شعر التفعلية , ولكنه لم يسيطر على الحرية الجديدة الممنوحة له, فانحدر نحو العبث وضياع المعنى ولا يوجد تلازم منطقي بين المعنى والقافية ولكن الشواهد العملية تشير إلى وجود مخاطر جمة ناجمة عن التضحية بالقافية.
وتقول نازك الملائكة محذرة من التجديد غير المحسوب في دراستها المهمة عن " سايكولوجية القافية" التي كتبتها أواسط السبعينات وحددت فيها العلاقة بين المعنى والقافية :
إن القافية نهاية طبيعية للبيت في القصيدة وهي توحد القصيدة وتلم شتات الجو بالنغم العالي الذي تحدثه وهي وسيلة أمان واستقرار لمن يقرأ القصيدة حيث يحس أن الطريق واضحة وأنه مطمئن في سيره لا غابة تعترضه ولا متاهة, كما أن القافية تشعر بوجود النظام في ذهن الشاعر وبتنسيق الفكر لديه ووضوح الرؤية وقوة التجربة.
يقول الشاعر أمين المشرقي:
طوروا شعرنا حتى فقدنا المشاعر
من حفظ له سطر وإلا اثنين سموه شاعر
والقوافي عوافي يا أدبنا المعاصر
والأسد قط في القاموس والفيل ذبي
ودهم شعرره من حق يا الله طلبناك
يا ادبنا بناك الجد وإحنا هدمناك
يفهمك غيرنا ما ودنا ما فهمناك
قد معانا أدب قلة أدب غزو غربي
تاهت الأسئلة ما بين عقلي وقلبي
مع تحياتي أنا أحلام القبيلي وكيل آدم على ذريته
alkabily@hotmail
أحلام القبيلي
الشعر النكتة 2684