باقة من الألوان تقف عليها نساء بلا أجنحة لكنهن يصنعن العسل.. هذا ما لمسته بمشاعري وأنا أتجول مندهشة برفقه الأستاذ/ محمد رواح الشيباني ـ الذي رافقني في جولتي وكانت عيناه تحتضن المكان في ألفه شديدة وكأنه منزل الآخر.. تلك الأقمشة الملونة وشعارات المؤسسات والشركات والبنوك المنقوشة بعناية على القبعات وصدور السترات الخاصة بالعمال بدت مدهشة بالنسبة لي وكأني ألقيت القبض على هرة جميلة وهي تلعق اللبن لأنني شعرت أخيراً أنني عرفت الطريقة التي تصور بها تلك الشعارات سواءً كانت خيوطاً رفيعة أو ألواناً دقيقة.
عجيبة تلك الآلات وغريب ذلك الحب في الأداء وجميل هذا الوفاء للوطن من أهل بيت يعلمون تماماً أنهم لولا هذا الوطن ما كانوا وما وجدوا، كنت أرى تلك المؤسسة عن بعد صرحاً للعلم الثقافة والأدب وتمنيت لو يسمح لي الوقت يوماً لأراها من الداخل كما يراها أصحابها مراراً، ساقتني قداماي إلى المكتبة لأشبع هذا النهم الشديد للقراءة وحب الإطلاع وكما يسيل لعاب عشاق البوظا وحلوى العيد يحدث الشيء ذاته معي لكن وأنا أذوق بوحي جمال تلك المكتبة وهدوئها وحرص العاملات فيها على الدقة والنظام.
كانت مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة وجهة الباحثين عن غذاء العقل والروح ومائدة للذين تصهل جوارحهم بالمعرفة وقبلة الماضيين إلى الحقيقة.. تلك الآلات في قوتها وأناقتها وطاعتها العمياء ذكرتني بنساء هذا الوطن وهن يقفن بقوة أمام جبرون الفقر وييتأنقن بالرضا فيبدين أجمل ما ترى البصيرة ويطعن من بيده أمرهن طاعةً مليئةً بالسكينة والعفاف حتى وإن سحقن بين يدي الحرمان.
الأمور تسير بنظام وحتى المدارس لها مكانها الاعتباري على فاتيرينات الإنتاج المتميز الذي يعرض الزي المدرسي الأهلي والحكومي بمختلف ألوانه وأشكاله مع متطلبات المدرسة تحت سقف واحد وفي قاعة بيضاء صافية تشبه تماماً مكعبات الثلج الباردة في كأس بلودي من الماء ولعلها في نظري أجمل من ذلك بكثير الدورات التدريبية التي تحاول دفع الفقر إلى الهاوية والتي تتبناها المؤسسة تستطيع خلق إمكانية اقتصادية فذة لدى المتدربات ومن هنا سيبدأن بقول: لا.. بدلاً من نعم التي كسرت ظهر ا لشموخ ووأدت شغف الاستقلال المادي الذي تتمناه النساء لأنهن ببساطة لن يجمعن المال ليمضغنه في وريقات خضراء قاتمة شكلاً ومعنى أو ينفثنه دخاناً بين شفاههن كما يفعل الرجال حين يكونون هم أصحاب المال.
بزة الكهرباء الزرقاء آثارت انتباهي كون هذا المعلم بأسره المنتجة يغذي كهرباء اليمن بقالبها الأزرق الذي يشبه لونه لون المحيط.
وأما الخيوط الجملية على البكرات الكبيرة فتشبه في سطوعها ألوان حقول الأزهار في أوروبا تلك التي يذوب الجمال على أرصفتها.
كانت عشرين دقيقة أو تزيد غير أن أورع ما رأيت في ثوانيها الأخيرة صندوق الأمنيات البعيدة الذي صنعته يد التاريخ وجملته يد الجغرافيا إلى هنا.. كم هو رائع.. والأروع منه تلك الرغبة القوية في إعادة تأهيلية ليشهد الحياة من جديد.
ألطاف الأهدل
مؤسسة السعيد.. بيت العلم 2147