تعد سلامة البيئة ونقاءها مطلبا أساسياً لتحقيق سلامة الجنس البشري والحفاظ على الثروة الحيوانية والزراعية والمائية من أجل بقاء التوازن في سلسلة التكاثر والحفاظ على النوع.
ولهذا تبذل البلدان المتقدمة جهوداً مضنية في إيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتها البيئية المتفاقمة يوماً بعد يوم، بسبب ازدحام المدن وتلوثها وانتشار الأسلوب المدني على حساب مساحات شاسعة من الأراضي جغرافياً والقيم الصلبة أخلاقياً وفكرياً وقد ساعد ذلك كثيراً من تلك البلدان على تجاوز مشكلاتها المقلقة حيال البيئة من طبيعة وبشر.
والمشكلة ليست في هؤلاء بل هي عندنا نحن حيث أن البيئة اليمنية تعاني من مشاكل معقدة جداً، بحاجة لدراسات دقيقة ولكنها ليست على طاولة الأولويات في الخطط الخمسية السابقة أو اللاحقة لأنه لا يوجد لدينا استشعار حقيقي بحجم المشكلة ولا يرى الغالبية ما يدور حوله من أحداث طبيعية أو بشرية غيرت من صفاء البيئة ونقائها.
الماء من أهم المشاكل التي تعاني منها الشعوب كاملة، إذ تسبب شحته خلال السنوات الأخيرة إلى انخفاض معدل الأراضي المزروعة وندرة بعض المحاصيل التي تحتاج إلى وفرة مياه كبيرة جداً، كما أصبحت حصة الفرد الواحد من المياه أقل من 1000م مكعب سنوياً هذا مع استمرار سوء استخدام موارد المياه وعدم ترشيد استهلاكها وتزايد سكان المنطقة العربية دون وضع خطط مستقبلية جيدة تؤمن مصادر جديدة للمياه أو على الأقل توازن بشكل جاد بين انخفاض نسبة المياه وارتفاع نسبة التصحر وانقراض موارد طبيعية تساهم في إثراء البيئة العربية بمميزاتها الطبيعية الساحرة.
وبالرغم من وجود بعض الدراسات الوليدة التي ركزت على مشاكل البيئة في اليمن، خاصة المائية منها والزراعية إلا أنها تفتقر للجانب التوعوي وتغيب عنها الحلول البديلة التي تساهم في التخفيف من حجم مشاكلنا البيئية المختلفة.
الاستثمار العربي في اليمن لبعض المشاريع العمرانية والسمكية أدى بدوره إلى احتكار بعض الموارد الطبيعية وأصبحت فرص العمل لدى أبناء الوطن أقل حظاً من قبل، بالرغم من العائد الاقتصادي الكبير الذي يجنيه المستثمر.
السياحة الغير مستديمة أيضاً لم تشجع ظهور وإنشاء مشاريع ضخمة تحول نقاط ضعف الوطن إلى نقاط قوة والذي يحدث أن الوطن تحول إلى محميات صغيرة متفرقة هنا وهناك وما من عنوان سياحي كبير يجمع هذا الشتات المتفرق.
وبالإضافة إلى كل ما سبق نجد أن للإنسان اليمني دور كبير في استنزاف المياه لأنه لازال يستخدم الطرق البدائية في الري ولا يحسن ترشيد استخدام المياه في المنازل ومن هنا نشأت مشكلة التفاوت في حصة الفرد من الماء، إذ تشكو بعض المناطق من عدم وصول مياه المشروع إليها إلا بعد عدة أشهر، بينما تحصل عليه بعض المناطق شهرياً وصولاً إلى مناطق لا تعرف انقطاع المياه وأخرى لا تعرف للماء شكلاً ولا معنى!!.
الدراسات العربية التي أجريت مؤخراً حول مشاكل البيئة الطبيعية ومشاكلها التي صنعها الإنسان بيديه لم تخلص إلى نتائج عملية كبيرة ولن نتوقع أنها ستصل إلى حلول سريعة خلال عشر سنوات قادمة والمفترض أن تكون هناك عملية توعية إعلامية منزلية تساهم في إدراك تلك المشاكل والوقوف حيالها وقفة رجل واحد، لأن التهديدات التي أفرزتها تلك المشاكل البيئية لا تمس إنساناً بمفرده أو جماعة بعينها، إنما تمس المنطقة العربية برمتها ولهذا ستكون عواقب اللامبالاة وخيمة على تلك الحكومات التي لا تعطي شعوبها حقها في البحث العلمي والعملي للخروج من دائرة الحصار الجغرافي الممغنط بالسياسة، تلك السياسة التي قلت إحساس الفرد بمن حوله إثر مشاريعها الاقتصادية المتنامية على حساب الموارد الطبيعية والبشرية في الوطن.
أقرأ دائماً شعار "البيئة بيتنا الكبير" وأتساءل من يجرؤ أن يبصق أو يرمي المخلفات في بيته؟! ثم أستفيق وأتذكر أني هنا. .فأجيب الكل يجرؤ.. ولهذا أصبحت هي زنزانتنا الكبيرة.
ألطاف الأهدل
البيئة.. لم تعد بيتنا الكبير 2318