يحكى أن جوهرة ثمينة عاشت زمناً بين يدي فحام، فتراكم على جسدها السواد وبدت كقطعة من الفحم تماماً، لكن على رف مهترئ من الخشب.. ومرت السنين والجوهرة على حالها بين غربة زمان وغربة مكان، كلما حملها
الفحام بين يديه أشتد سوادها وبهت بريقها وهي لا تملك من أمر نفسها شيئاً، سوى الرضا بهذا المصير المحتوم رغماً عنها.
وفي يوم من الأيام فقد الفحام رشده وألقى بتلك الجوهرة في كومة كبيرة من الفحم ثم ساق عربته إلى خارج المنجم الأسود وتخلص من محتوياتها وعاد كأن شيئاً لم يكن.
مرت أيام والجوهرة في العراء دون أكوام الفحم يعلوها سواد ويكسوها سواد، وفجأة شاءت الأقدار أن تطأ قدمي رجل أرض المكان فتسللت يده عابثة بكومة الفحم تلك وإذا به تكسوه الدهشة والعجب لما رأى من شكل تلك
الجوهرة ولما أحس من ملمسها.. فأخذ يقلبها بين يديه ويمسح عنها ذاك السواد وجبينه يتصبب عرقاً ليتساقط قطرات على وجهها حتى بدت وكأنها تبكي ألماً لما أصابها، ورويداً رويداً يزول سواد الفحم ويبدو بريق الجوهرة
آسراً أخاذاً يذيب تعقل العيون في كأس الروعة والجمال.
مضى الرجل سعيداً بتلك الجوهرة يمتع عينيه برؤيتها كل صباح بين يديه وكأنها كوكب أهدته السماء للأرض، وكأي شيء يباع أخذ الرجل جوهرته يوماً إلى السوق ليبيعها ويشتري بثمنها منجماً للفحم لأنه كان فحاماً أيضاً!..
وهكذا تبقى الجواهر فحماً في يد الفحامين.
أتساءل دائماً كم من الجواهر في مجتمعنا يعشن دهراً بين يدي فحام ليتلقاهن فحام آخر؟! ولماذا تبقى نظرة الفحامين سوداء مثل أيديهم دائماً؟! وما مصير الجواهر اللاتي يكسوهن السواد؟!.
من النساء في مجتمعنا جواهر ثمينة لا يعرف قدرهن أحد ولا يستطيع أن يدفع ثمنها أحد والقبيح في الأمر أن من الرجال من يعتقد أن كلمات تدغدغ إحساس الأنثى أو المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفي!! وربما أنا
واحدة من الناس الذين يؤمنون بأن الغول ربما كان موجوداً يوماً ما وقد تكون العنقاء كذلك لكن الخل الوفي ليس له وجود لا في ماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل.
المؤلم ذلك الزخم المتراكم من الأحاسيس التي تعتري الأنثى منا حين تعتقد أنها وجدت ضالتها خارج السرب لكنها قد تكتشف فجأة أن أبابيل الذكور المزندة.. لا ترمي إلا بحجارة من سجيل لتبقى قلوبنا بعدها عصفاً مأكولا!.
أذكر أني قرأت مرة قبل عشرين عاماً قصيدة غزلية جميلة لا بأس أن نتذوقها معاً إن كنتم من أصحاب المزاج الشعري مثلي، تقول القصيدة بلهجتها الشامية اللذيذة:
مجهولة وحبت مجهول ** وهواهم زهر على طول
لعيون بتغزل نظرات ** وأفكار بتحكي وبتجــول
مجهولة وحبت مجهول..
بيروحوا لبعيد لبعيد ** خلف النظرة السواحة
وبعد الأيد بحضن الأيد** والعواطف مرتاحة
لا هو كلمة بيقول ** ولا هي كلمة بتقول
وهيك محبة مش ** معقول مجهولة وحبت مجهول
ممكن طيف يعانق طيف ** وممكن روح تعانق روح
لكن هالمحبة كيف؟! ** ولا كلمة الشفة بتبوح!!
ممكن هالنظرات تطول ** وهيك محبة مش معقول
مجهولة وحبت مجهول
ما رأيكم في هذا الحب؟! هل يفهمه معاشر الفحامين عن مشاعر المحبين؟! العزاء الوحيد في هذه المسألة أن الفحم أو الماس كلاهما له منجم يحميه من تطفل أصحاب الخبرة الكاذبة.
أحببت أن أذكركم أن هذه القصيدة للشاعر السوري/ مصطفى الحاج.
ألطاف الأهدل
الجوهرة والفحَّام 2412