ما أجمل أن تهديك الأيام من يستطيع أن يعيد هندسة قلبك ليصنع من ركامه شكلاً هندسياً جديداً حتى وإن كان لا يستطيع ضخ الدم من وإلى جميع أنحاء الجسم إلا أنه يستطيع أن يستقبل إشارات الحب وترجمتها بدقة متناهية..
وهذا يكفي ليكون ذلك القلب قلباً حقيقياً يعيد إليك الشعور بإنسانيتك المفقودة إثر انفجار عاطفي مدوٍ ويجعل من بقايا روحك المهشمة شاهداً قوياً على براءة الصخر من صفة القوة واكتفاء الحديد بصفة الليونة والتشكل بعد أن لاحقته
شائعة الصلابة حيناً من الدهر.
هم الذين يصنعون الجراح، والفطرة وحدها من تداوي جراحنا بحنان مهما بدت قاسية في نظرنا.. النسيان هو مشرط الفطرة، والصمت مبضعها ودموع البشر هي مادة التعقيم الوحيدة التي تطهر جراحهم مهما كانت غائرة.
وفي النهاية تبقى شفاهنا ندوباً لذيذة لتلك الجراح التي لا تستطيع إخفاء معالمها فطرة البشر بأكملهم.. للقلوب ميكانيكا خاصة لأن أدواتها المصنوعة من حفيف المشاعر، لها سطوة الغروب المتشرنق بالضوء، وروعة النسيم
المتدفق من سواحل الشوق، وعفوية المعاني حين نسقط في الحديد أو تفرض عليه حصاراً بأسلحة فتاكة متطورة شديدة الحساسية للحب لأن هذا بمجملة يزيد القلوب شوقاً إلى تذوق الحب ويؤجج فيها رغبة الوله به والتحرق إلى
خوض تفاصيله والذوبان فيه ، ولهذا لا يعمر القلوب إلا الحب لأن به نتعرف إلى حب الله والإيمان به والتعلق بما يدلنا على الطريق إليه.
ولا يخرب القلوب إلا الكره والضغينة والجفا.. وهذا بضاعة كاسدة لا تستوعبها القلوب أبداً.. للقلوب لغة حضور خاصة فهي تموت إذا لم يملأ فراغها الحب وتصدأ إذا خلت من علاقة الصلة والموصول وتشيخ إذا
سكنتها عذرية الحب وعفة المراد وتحتضر سكرة إثر سكرة إذا زارها شبح الهجر والنوى.
يحكى أن ميكانيكياً ماهراً أصلح قلب امرأة توقف منذ زمن، لكنه وبعد أن أعاد الحياة إلى قلبها حتى بدا الكون أمامها باقة أمنيات عذبة أخذ يجمع عدته ليعود أدراجه.. فإذا بالقلب يسقط محطماً من جديد، حاول الرجل مجدداً أن
يصلح ما فسد من أمر القلب.. فإذا به يخفق أنساً وسعادة، أدار صاحبنا ظهره ليرحل وإذا بالقلب يترنح كطير مذبوح وصرخ في وجه صاحبنا الميكانيكي الماهر ألست من أشعل جذوة الحب فيَّ؟! فأجاب صاحبنا:
نعم.. فأردف القلب في خجل: إذاً أنت من يرعى هذا الحب وإلا فدعني أعود حطاماً كما كنت.. وإياك أن تمر أناملك على جراحي من جديد.. وقف الرجل حائراً أمام هذا القلب وبالرغم من عبقريته في إعادة
الإحساس إليه بالحب وإيصاله إلى نشوة الوله إلا أنه لم يستطع أن يبقى ليرعى إنجازه العبقري لأن قلب الميكانيكي كان مشحوناً بذرات الحب.. فانصرف مسرعاً دون إلقاء التحية.. بينما وقع القلب أرضاً ليصبح شظايا
متناثرة.
الكثير من الرجال والكثيرات أيضاً من النساء لديهم ولديهن مهارات ميكانيكية لتشغيل القلوب المحطمة من جديد، لكنهم لا يستمرون في إمداد تلك القلوب بوقودها الحقيقي من الحب والمودة وصفاء النوايا، ولهذا تبقى قلوبنا محطمة
وتبقى ورش القلب مكتظة بالمحطمين والمحطمات من بنات آدم وأولاد حواء.
القلوب مضغات محمومة بالعاطفة، لا تعرف طريق الخيانة ولا تفهم فلسفة الانتظار ولا تستوعب حكايات المد والجزر التي تبرر هروبنا من الحب عندما نلقاه وجهاً لوجه، إنها أوعية كرامة وعفة وذوبان طاهر وانصهار نظيف
للمشاعر لا يشتريه المال رغبة فيه ولا تبيعه القناعة رغبة عن أنه النطفة التي تتخلق في أرحام القلوب حين تحدث مواسم اللقاح بين أعين البشر.. هل سمعتم بالحب من أول نظرة؟!.. أنا لم أسمع به فقط لكني أؤمن
به.. فكثير ما يحكى لي عنه وكثيراً ما قرأته في أعين الآخرين..
لكي تصبح صاحب ميكانيكا عاطفية ناجحة أسرع إلى أقرب بنشري قلوب وأملاْ عجلات مشاعرك بالهواء حتى لا تنام في منتصف الطريق وقبل أن تصل إلى من تحب!.
ألطاف الأهدل
ميكانيك القلوب 2118