ما من رجل ولا من امرأة إلا ويحملان ملامح جميلة مقسمة بمنتهى العدالة الربانية، كما تقسم الأرزاق.. فمن حضور لافت إلى تقاسيم فاتنة إلى صوت عذب وما إلى ذلك من صفات البشر المميزة لكل منهم.
ومن الظلم أن ندعو أحداً بالدمامة أو نصفه بالبشاعة لأن مقومات الجمال ليست مادية فقط، بل هي معنوية محسوسة أيضاً وهذا من عظيم الخلق والاقتدار الرباني، ومن جزيل النعم أيضاً أن الميزان في نهاية الأمر يرجح كفة التكريم
بالتقوى، رغم تعدد الشعوب والقبائل وتشتت العروق والفصائل.
لكن أن تكون ممن حباهم الخالق جمال الشكل ورقي المضمون فأنت في نعمة كبيرة جداً تستحق الشكر آناء الليل وأطراف النهار، لأنك عندها تكون قد امتلكت القدرة على الولوج إلى قلوب البشر شكلاً وعقولهم حساً وإدراكاً، وهنا
يكون مفروضاً على الإنسان أن يبلغ رسالة الله في الكون بالعبادة والدعوة إليه، كون الهدف الوحيد من خلق البشر هي العبادة للواحد الأحد " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن
يطعمون" الذاريات[56-57].
ويقول الشاعر في وصف عين الحب على حبيبها:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ** ولكن عين السخط تبدي المساوئَ
وهذا يدفع إلى التقدير والإجلال حباً لا خوفاً فيقول شاعر آخر:
أهابك إجلالاً وما بك قدرةٌ ** عليَّ ولكن مليء عين حبيبها
الجمال معبد الأرواح، خلف منبره تقف الجوارح مكبلة بالدهشة، وتتعلم الأنامل أصول العزف على مسامات العاطفة دون فجور، وتتوارى الأنفاس خلف الأضلاع في خجلٍ لذيذ، وتتعلم الرغبات أبجدية الإنطفاء الجليدي دون
المساس بجمرة الشوق والإغواء.
في الأرض ألوان وأصناف من خلق الناس يجمعهم قالبهم الإنساني وتفرقهم الجذور والعروق والأصول المختلفة.. فمن طينة سمراء عملاقة إلى أخرى صفراء معتدلة القوام إلى بيضاء فاترة كالثلج إلى قمحية عربية أصيلة
كخيول الجزيرة وهكذا شعوب وقبائل بملامح مختلفة وألوان متناقضة غير أنها تشترك جميعاً في هذه الروح المشتعلة داخل تلك الأجساد.
والجمال لا يقف حائلاً أبداً في تواصل الأرواح لأن له نسبة معينة تختلف من شخص لآخر ولو أن الجمال شرط لحصول التواؤم بين البشر لبقي ثلاثة أرباع سكان الأرض بلا زواج أو تواؤم روحي.
وأذكر ان ابن خلدون في مقدمته التي تحدث فيها عن مختلف البلدان قال بنظرية النسبة وكيف يكون للبيئة نفسها حق تشكيل الفرد وفقاً لأنماطها المختلفة وقال أيضاً: بأن الجمال نادر في اليمن إلا ما كان متصلاً بعروق مختلفة من
بلدان أخرى وبالرغم من أنها ليست قاعدة إلا أن لنا حق الفخر بجمال أرواحنا في اليمن مادام جمال أجسادنا ووجوهنا نادراً، لكن من وجهة نظري الجمال موجود في أعيننا حين نرى أرواحنا جميلة ونعترف بجمال الكون من حولنا
ولا شيء في الحياة بشع، لأن الله لم يخلق شيئاً بشعاً أبداً وكمثال على ذلك جلد الأفعى جميل ومدهش بالرغم من خطورتها هي، شخصياً أمتلك حقيبة من جلد الأفعى "الأصلة" وأحبها جداً.
وهكذا يجب أن تكون نظرتنا للحياة بأكملها نظرة جميلة ولنترك جانباً مهارة اصطياد الأخطاء وتصوير مكامن القبح فيمن حولنا، لأن لهذه النظرة القاصرة أثراً سلبياً على أنفسنا إذ أن نفس الإنسان دابة ترعى على أعشاب روحه
وفكره ونظرته للحياة.
كلنا إذن يحمل قدراً من الجمال، فلا ينام القصير منا وعشاه في "الطاقة" ولا الطويل تناله أسنان المنشار ولا السود يموتون دون أوان، ولا البيض يعيشون فوق أعمارهم.. كلنا جميل بملامحه وروحه وصدقوني نحن الذين
نصنع البشاعة في مصانع البعد عن الصواب والتدخل في أمور الخلق..
وأخيراً كلنا جميل بعطائه وتواصله وقدرته على إحداث التغيير الإيجابي في حياته وفي حياة الآخرين أيضاً.." حتى تشعروا بالمعنى العميق للجمال لا تطيلوا الوقوف أمام المرآة".
ألطاف الأهدل
كلك على بعضك حلو! 2017