لا يخلق البشر سعداء أبداً لكنهم يمكن أن يموتوا وقد شعروا ببعض السعادة.. الحياة لا تمنح الناس كل شيء مهما حاولوا أخذه منها بالقوة، بل إنها قد تدفعهم إلى أحشائها متى شاءت ليعودوا من حيث أتوا عراة من كل شيء إلا ذلك الخجل الذي يواري عورة الناس ولو شاءوا ما استتروا!.
الحياة قد تعطي الكثير لكنها غالباً وبالمقابل تأخذ الأكثر، كم من أثرياء الناس يتمنى أن يمنح الصحة وكم من فقرائهم يحلم أن يكون نزيلا في أحد القصور تحفه القيان والمعازف وتراقصه نساء من الشمع ويطاف عليه بكؤوس الشراب وعناقيد الكروم.
الحياة سخية جداً لكنها أيضاً مريضة بالبخل فإن أعطتك امرأة حسناء سلبت منك ما يرضي عنك تلك الجميلة بين يديك وإن منحتك سعة الحال ألقت بين أحضانك امرأة من الصخر بالكاد ترد الصدى لأنها قابعة خلف المدى!!.. وإن رزقت المال والزوجة وأصبحت في بحبوحة من أمر نفسك عقك الولد وخرج عن دائرتك، حتى تخاله عدواً وقد يكون كذلك، ولأنها مسرح كبير كما قد قيل، فإن لها فصولاً بعضها يبكيك حتى تغرق في الحزن وبعضها يفرحك حتى تشعر لحظات أنك تكاد تطير من فرط السعادة.
كم لقينا في الحياة ما يشقينا، كمن ذابت حناجرنا ألماً ونحن نصرخ باسم الحرية.. فنظل أسرى، كم تمزقت أمام أعيننا جدران الغروب حتى أضحينا بلا أفق، كم خرقنا بأيدينا قوارب النجاة الوحيدة على وجه المحيط دون أن نشعر، كم مرة عدنا من معارك الحياة نقتفي أثر الطريق إلى الحب.. فما وجدنا أي أثر، كم ترهلت كلماتنا حد السقوط أمام مرايانا ونحن نبحث عن شريك.. فقط شريك يحقن تغضنات جسدك بطعم الراحة ويعلمك الاستقرار ويعيد أسطورة العش الدافئ إلى فكرك، كم تقوقعنا على شاطئ الأمس حتى نسينا مذاق اليوم منذ أن تولد الشمس وحتى تموت.
الحياة لا تعطينا أكثر مما نحلم به ولا تدع لنا فرصة لتحقيق أحلامنا كما نرغب، بل إنها قد تسرق أحلامنا أو تسرقنا منها علناً أمام رحابة الكون وسعة السماء!.. هي تدين لنا بالكثير بينما لا ندين لها بشيء يذكر ونكاد من فرط السقم المسموم في داخلنا نناصبها العداء ونحن نعلم أننا بين أيديها مجرد ذخيرة حية.. فإلى أين يهرب من كانت نفسه هي عدوه، ودنياه هي معتقله؟!.
لكن الحياة أيضاً رغم فظاظتها وقسوتها تعلمنا السير بمحاذاتها حتى تحين اللحظة الأخيرة من العمر.. فنتلفت يمنة ويسرة وإذا بنا فُرادى نقاسي وحدة الموت بعد أن أرهقتنا وحدة الحياة.
كم تغشتنا بالعطاء، وكم أثخنت قلوبنا بجراح الجفى، وكم سقتنا اليأس بملعقة القنوط وأفرغت ماء أعيننا بطعم الجنون، لكنها لم تعلمنا يوماً أن نتقهقر أو نفر منها ومن سواها.. فتكون إما لنا تعلمنا أصول الحياة وفنون الموت ولو تحت ظلال السياط؟!، لن يفعل ذلك أحد إلا هي.. هي وحدها من يصفعنا.. فنضحك، ويدغدغ أحاسيسنا.. فنبكي، مدرسة تناقضات يجب أن يتقنها البشر رغماً عنهم.
الحياة باقة أحداث عديمة الرائحة لكنها غنية بألوان الفرح والحزن، النجاح والفشل، الصحة والمرض، اليأس والتفاؤل.. قد تعطي بغباء لكنها تأخذ بدهاء، قد تكون متسلقة فتفضح صدورنا للعراء وهي تتجذر فينا لتمزق ضلوعنا وتعيش، لكنها لا تخضع لعوامل التعرية ولا تنحني عند الهبوب، ولا تتساقط أوراقها إذا تثاءب الخريف معلناً عن غفوة قصيرة.
الحياة هي الزمن الذي يمضي من عمري وعمرك وعمرها لكننا وبمنتهى الغباء ننظر إليها نظرة الملكية والبقاء تحت السيطرة.
* إلى كل حواء تهوى آدم: إن لم يحرص على بقائك أنثى بكل المقاييس.. فلا تصدقي حرفاً واحداً مما يقول!.
ألطاف الأهدل
كُن كالحياة!... 2112