ما يحدث اليوم في ليبيا من قتل وترويع للمواطنين تشارك فيه القوات الجوية القذافية هو جريمة بحق الإنسانية، تعكس العقلية السحيقة التي دار بها معمر القذافي الجماهيرية الليبية منذ ما يربو على أربعة عقود من الزمن.
لا أعلم كيف استطاع إخواننا الليبيون أن يتحملوا تلك العقلية الفجة التي يحملها ملك ملوك أفريقيا ـ كما يحب أن يسمي نفسه ـ كل هذه السنين الطويلة..؟، لقد ظهر هذا "المعمر" على شاشات التلفزة بخطاب دموي أطلق فيه العنان للبارود بهدف إبادة شعبه الذي يطالبه بالتخلي عن كرسي الحكم بعد ما كان في الأمس القريب يبحث عن بعض الحريات المعدومة وشيء من الكرامة الإنسانية المفقودة، فكان يقابله بالتعالي وعدم الالتفات لمطالبه، مما دفع بالشعب لرفع سقف المطالب بعد أن داهمتهم النسائم العليلة القادمة من دولتي الجوار(تونس , مصر) لتستقر عند مطالبته بالتنحي لا سواه, غير أن القائد المصاب بمرض العظمة والغطرسة يصر على سفك دماء شعبه بطريقه جنونية تنبئ عن مرحلة مخاض عسيرة تمر بها الثورة الليبية قُبيل الاحتفال بمولودها المعجزة ؛وأقول معجزة لأنني وان كنت على قناعة بأنها أيام معدودة أمام القذافي حتى يصوب سلاحه إلى رأسه منتحراً، بعد أن تأكد له أن من كانوا يمتصون ثروات بلاده في الأمس القريب قد تخلوا عنه اليوم, إلا أنني على قناعة موازية أن الأيام القليلة القادمة ستكون أكثر دموية، خصوصاً في ظل تلك المفردات التي تطايرت من فيه كشظايا عنقودية تبرر له ولمن تبقى معه من القيادات الأمنية والعسكرية جرائم الإبادة التي ستُرتكب على مشارف طرابلس وفي شوارعها, مقتدياً ـ حسب خطابه ـ بالجيش الروسي والأمريكي والصيني الذين احرقوا آلاف المسلمين بحجة مكافحة الإرهاب.
لقد قال القذافي في خطابه المتلفز: لا يمكنه التخلي عن كرسي الحكم إلا حين تنتهي آخر "طلقة" في خزانته المليئة بالبارود و"السم الهاري" , مما يعني إصراره على تصفية الأرض الليبية من شعبها وتسليمها لبارئها خالية من البشر، كما كان يرغب في ذلك أسلافه الثوريين الذين تأثر بأفكارهم وبات يرددها في بعض خطاباته المطولة إن لم يكن جميعها.
وحين نتحدث عن "معمر القذافي" وعن تصرفاته الرعناء ـ التي ستدفعه للإقدام على الانتحار لا محالة، خصوصاً وهو يدّعي لنفسه مجداً لا يود التخلي عنه ولا يحق للجماهيرية الليبية امتلاكه ما لم يكن هو زعيمها وقائدها ـ فإننا ندرك بالتأكيد أن الوطن العربي مليء بالقيادات المتعالية التي لا تنظر أبعد من كراسي الحكم المغتصبة رغم انف شعوبها, مما يعني عدم تحييدهم عن الزوال الذي بات وشيكاً ما لم يثبتوا لشعوبهم صدق نواياهم التغيرية فعلياً, بعيداً عن سياسة الخداع والمراوغة والجرجرة خلف الأوهام التي ملتها الشعوب وأصبح مجرد الحديث عنها يجلب الغثيان ويسد النـفس. ولذلك لو أننا تطرقنا في هذه الجزئية للشأن اليمني الذي بات وجهة وسائل الإعلام العربية والدولية، فأعتقد أن سيادة الرئيس ليس بحاجة لتلك الصور التي نشاهد حامليها يغدقونها تقبيلاً وحباً, ولا لتلك الجماهير المحتشدة نظير الدفع المسبق, ولا حتى تلك الخطب الرنانة التي ينتشر صداها في الأرجاء معلناً عن انحسارها "الآني"، خصوصاً وقد أثبتت العروش المتساقطة وفات مفردات النفاق وتحول أصحابها إلى مؤرخين خُصماء لمن كانوا يمتدحونهم في الماضي..
إن من يحاولون صرف "سيادته" عن الإصلاحات التي يحتاجها أبناء الوطن إلى الحشود والتجمهر واعتراض المظاهرات السلمية واسترضاء الزعامات القبلية لا يعون الغليان الذي يشهده الشارع اليمني اليوم نتيجة لتصرفاتهم الهوجاء وما ستؤول إليه الأوضاع إذا ما أصروا على استفزاز الجماهير بخطاباتهم غير المسئولة , لقد ظهر احدهم على الفضائية اليمنية في أحد (ميادين الصمود !!) وهو يشيد بمنجزات الرئيس، متحدثاً عن "البسباس" الذي كانت اليمن تستورده من الصين قُبيل توليه السلطة ثم أصبح لديها استكفاء ذاتي في عهده ـ حسب قوله ـ وهنا أدخلتني هذه الكلمات ـ ومعي الكثير من الناس ـ غرفة الحيرة المركزة.. هل ما يقوله الرجل يصب في صالح الرئيس الصالح أم أنه يسيء إليه..؟، لعلها الأخيرة دون أن يدرك صاحبها ذلك.. فلماذا تُصرَف الأموال الباهظة في أعمال تسـيء أكثر مما تُحسِّن..؟ وحتى لو فرضنا جدلاً أن هذه الخطابات تصل إلى درجه التحسين, هل اليمن الواقف على مقربة من بركان تكاد حممه أن تغادر فوهته إلى صدورنا بحاجة لتحسين صورة النظام بمفردات عاجزة عن تجاوز حلق قائلها فضلاً عن مسامع الشعب اليمني الغاضب حد الثورة, أم أننا بحاجة ماسة لقرارات مصيرية تمنع الكارثة التي تلوح في الأفق من السقوط على رؤوسنا جميعاً، فهل من متعظ..؟؟!!
*ومضة*
ثمة سؤال يبعثرني كلما لعقته ذاكرتي.. تمنيت أن أجد له إجابة في هذا التوقيت الثائر, حيث الجموع الهادرة تبحث عن التغير على حافة جرف اليأس: لماذا الوطنية غائبة عن المواطن اليمني، بينما هي في عنفوان حضورها لدى المواطن المصري رغم قدم حضارة الأول وارتباطه اللأزلي بالتاريخ.؟َ!
منيف الهلالي
القذافي وجنون العظمة 2336