من الناس من يأسرك برهافة حسه ورقي مشاعره وذوبانه في ذاته، حتى تخال وأنت تتحدث إليه أنه أثيرٌ مموه بين روح وجسد، ليس شبحاً تخافه وتندهش منه، وليس جسداً ساكناً يستثير حماقتك ويستلهم بطشك، هو بين حقيقة وخيال، يمر على الدنيا كما تمر السحاب كريماً لا يعطي إلا الخير الوفير وخفيفاً يأبى نفسه أن تكون عبئاً على سواها من البشر.
إذا نطق ذابت الكلمات على شفتيه شهداً عذباً وإن صمت أصبحت عيناه مرافئ وشواطئ ومدناً والكل يسافر عبرها إلى قلبه دون توقف.. لفرط تماهيه قد يصبح حبراً في كلمات، جناحاً ثائراً في رغبات، عذوبة ذائبة في همسات.
عبقرية التواصل والاتصال تشع من عينيه لتبعث الدفء فيمن حوله، ولهذا تذوب جبال الجليد الشاهقة بينه وبين الناس كلما أشرق عليهم بشموس عطائه، التي لا تغيب أبداً، لكن بين الأصل والصورة هناك ظلال وزوايا ورتوش ومناطق ملغومة بالتفاصيل.
ومن رحمة الله بنا أننا لا نرى إلا الصورة الجميلة لمن يقف أمامنا من البشر ولا نسمع إلا الصوت الشجي لمن يقف خلفنا منهم، ومن الصعب جداً على خيال مثل خيال الإنسان تحده جهات العالم مكاناً وتتحكم به جهات الإنسانية زماماً أن يرسم صورة حقيقية واضحة 100% لمن يعيش معهم من الناس، خاصة أولئك الذين يشاركونك الفكر، فقط دون أن يدعوهم الفضول لاستشفاف وجدانك أو الغوص في عميق قيعانك، والمشكلة حين تشعر أن من هؤلاء من يحاول أن يسرق محار روحك ويحطم لألئ نفسك وينسيك مرجانية مشاعرك حتى تكن له وحده، لكن لي سفي وضح النهار وتحت ضوء الشمس إنما دون أجنحة الليل بعيداً عن أعين الناس وهذا محض أمنيات يعيشها مخفقون رفعوا راية الجبن والاستسلام منذ زمن.
تلك الشفافية المحاطة بالغموض وذلك الذوبان الغارق في القسوة وهذا الرقي اللعين الكاذب هي رتوش تخفي معالم الصورة المشوهة وزواياها المظلمة بشكل مؤقت حتى يتسنى لهؤلاء الإيقاع بضحاياهم وحشرهم في زوايا ضيقة تتيح لهم فرصة الاستمتاع باللحم ومن ثم تحطيم العظم وتوريته الثرى ملحداً بالألم والأنين والخيبة وانعدام الرجاء.
أكره أن أكون قاسية بهذا الشكل، بل لا احتمل بتاتاً أن أبدو كمنتقمة أو ثائرة أو معقدة إذ لا شيء أسوأ في الدنيا من أجساد لا تحييها مشاعر ولا تبعثها الأحاسيس، لكن في ذات الوقت أحب أن أعلن لكل نساء الأرض أن عليهن فرض حظر المشاعر على العابرين من أبناء السبيل الذين يتسولون الرغبات بمنتهى الرخص وقلة الكرامة لأني وبحكم عملي أموت يومياً من شكاوى نساء يتركن أبواب قلوبهن مشرعة، فلا يلبث أن يسكنها الأشباح من بني البشر، وعليهن أيضاً وسيراً مع موضة الثورات في جميع أنحاء العالم أن يثرن ضد الفقر ويطرقن أبواب الرزق ويحصلن على الاستقلال المادي الذي يمكن أن يحل محل ظل الرجل الذي تختبئ النساء خلفه كثيراً، لكن سرعان ما يكتشفن أنهن كن عاريات من الخلف!.
تذكري سيدتي المرأة أن خلف ملعقة العسل اللذيذة تقف طوابير من النحل ذات الإبر اللاسعة ويعسوب واحد فقط، يقلب كيان الخلية رأساً على عقب!!.
وتذكري أيضاً أن أسوأ رائحة يمكن أن يشتمها مريض هي رائحة الدواء، لكنه الشيء الوحيد الذي تقلب حسناته على سيئاته في الدنيا قبل الآخرة!!.
فعليك إذاً أن تمرري أناملك على رقعة الشطرنج الحمراء متى ما نام الملك، شريطة أن لا تقفي خلف الوزير أو تستخدمي الجند.. وبعدها نامي قريرة العين، لكن تذكري قبل أن تأوي إلى فراشك أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، لكنهم يبقوا ملوكاً إلى الأبد وحين يأخذك الحماس إياك أن تهتفي "عاش الملك.. مات الملك".. ولكن اصفعيه بصمت قبل أن يصفعك بوردة!!.
ألطاف الأهدل
حتى لا تصفعني بوردة! 2218