يُقال: إن العلماء ورثة الأنبياء، ولكن هل هم الورثة الشرعيون للأنظمة السياسية أيضاً؟، ويُقال إن المفلسين من الأغنياء يجيدون البحث في أوراقهم القديمة عن أموالهم الضائعة، فهل نستطيع اعتبار العلماء الورقة الضائعة التي يجب أن تبحث عنها السلطة لتبدأ من جديد؟ هل هم الأب الروحي الجديد الذي يستطيع قراءة الواقع السياسي وفق تعويذة حوار جيدة غير تلك التي لم تؤتِ أُكلها ضمن لجان الأعداد الزوجية والفردية اللامتناهية؟، وهل يصبح القرآن والسنة هما المرجع الأساسي لنظام ديمقراطي مبني على مؤسسات دستورية موضوعة لا يصلح بعضها حتى لبناء مجتمع ديموجرافي بدائي متعدد الأوجه؟.
ربما من يدري فقد أصبح من الممكن أن ينام رئيس الدولة ثم يستيقظ ليجد نفسه منفياً خارج أسوار وطنه، محروماً تماماً حتى من العيش كمواطن عادي يشرب الشاي على أقرب مقهى وهو آمن مطمئن، ولكنها الحياة وأقدارها التي تجعل الأباطرة عبيداً والعبيد أباطرة على الأقل في عيون أنفسهم.
عجيبة هي السياسة تراها أحياناً أبسط مما تتصور وأحياناً أخرى أسوأ مما كنت تعتقد، لكنها في كلا الحالتين ليست شيئاً أمام إرادة الشعوب إذا قررت بقوة حقها في العيش الكريم واختارت أن تكون مخيرة لا مسيرة وآمرة لا مأمورة وفق نسق من القوانين والضوابط الشرعية التي يجب أن تحكم مسيرة حياة الناس.
الوضع في اليمن أخطر بكثير مما يتصوره الناس، والغريب أن حالة استهتار قصوى واضحة في من يحاول أن يوقد الفتنة ويبقى مختبئاً خلف أسوار الحدث، بينما يسقط الأبرياء في النار وهم يهتفون باسم الحرية، لكنهم معصوبو الأعين تماماً.
الوقود الرديء الذي لا يكاد يشتعل حتى ينطفئ في قلوب هؤلاء لا يجيد قراءة تعابير الواقع اليمني الذي يختلف كثيراً عن بلدان مجاورة كثيرة ثارت شعوبها ثم انطفأت بلا خسائر عملاقة تذكر، ولأن المصالح دائماً ضيقة، فإن هؤلاء لا يرون إلا ما هو أسفل أحذيتهم فقط ولو كانت لديهم رؤى واضحة وصادقة وتصب في بوتقة الشعب لما بدأوا باستخدام أبناء الشعب من الأطفال والشباب صفوفاً أمامية في معركة الطرف الأخير فيها هو المنعم المتفضل وصاحب العليا والقابع على عرش السلطة، لكنه أيضاً يمنع الفرصة تلو الفرصة للخروج من الأزمة الراهنة بأقل الخسائر الممكنة ولا أرى ما يمنع من الأخذ بيده والوقوف إلى جواره وتبصرته بما يدور في أروقة الفساد السياسي والاجتماعي والثقافي ومساعدته في اختيار البطانة الصالحة التي تعينه وترسم له خارطة الإصلاحات.. تلك الحزمة من الإصلاحات التي تقدم بها الوالد/ الرئيس شريطة أن تبدأ بالضرب على أيدي تجار المواد الغذائية ووضع قوانين صارمة للحد من زيادة أسعارها وخذوا في طريقكم أسعار الغاز المنعدم والكهرباء المقطوعة والماء الشحيح والإيجارات المرتفعة.
ويُقال في المثل "أطعِم الفم تستحي العين"، فإذا الشعب جاع والوطن ضاع في أيدي الشباع، فأنى الفريقين أحق أن يطاع؟، وعلى ذكر الأمثال كلنا سمع بالمثل المقزز جداً "جوّع كلبك يتبعك"، فهل ترونه صالحاً في حين تكون الكلاب هي الأغلبية على حساب أقلية من القطط المدللة!.
يجب أن يبدأ التطبيق الفعلي لحزمة الإصلاحات المقترحة ونحن على يقين أن كل من افترش الرصيف لينادي بإسقاط النظام سيغير شعاره وسيبدأ بالانسحاب إلى منزله مادام قادراً على إطعام أطفاله ودفع التزاماته المادية والحصول على حقه في الحياة الكريمة.. وبعض الاحترام.. فقط بعض الاحترام.