"لست وحدي في هذا العالم".. جملة اسمعها تتردد كثيراً في أرجاء نفسي حين أشعر بالهزيمة وخيبة الأمل، وإن ما كنت اعتقده سبباً لسعادتي أضحى حلماً بريئاً رأيته أمام عيناي في لحظة سِنةٍ من نوم، فأعود من حيث بدأت سنة أولى حياة، لكني لا استطيع فعلاً قراءة هذا المنهج الصعب الذي تفقد معادلاته معنى التوازن وتلعب حروفه على حبال الصفحات لعبة "قطع الحبل"، فلا أجد المعاني التي كنت أبحث عنها إلا سابحة في رمال الهروب طويلاً.. ولهذا بقيت تلميذة كسولة أتهاون مراراً وأنا أحاول أن أقرأ كلمات الحياة ثم أعود لأغط في نوم عميق.
إغماءة سرابية أخال نفسي خلالها عاصفة لأجتث جذور من حرمني، أن أفهم الحياة كما ينبغي، ولكنني حين أفيق أجده "أستاذي"، ولهذا وقفت له تبجيلاً غير أنني لم أؤمن به رسولاً أبداً.. أبداً.
وها أنا أعود بكراساتي وأقلامي ومبراتي وممحاتي لأطلب إليك أستاذي أن تعلمني من جديد أبجدية الخيانة والخوف والتلاعب بمشاعر الآخرين، لأن هذا الدرس سقط سهواً عن كراسة التحضير خاصتك ولم أفهم مفرداته وأنا أجوب قلوب الناس قلباً.. قلباً، فلا أجيد قراءة أوراقها المبعثرة على رفوف شرايينها التي تكاد تتمزق ألماً.
كم أتعجب لأمر هذه الحياة حين تمنحك الأحزان في باقة ورد، وتهديك الأفراح نائمة في تابوت معطر، وتسدل جفنيها عنك في عتابٍ قاتل، تشرخ كأسك وهي تتمثل على فراش أحلامك.. منتهى الخيانة تغشتها منتهى الغفلة، فكان أن سقطت النجوم في البحر، وعاش القمر وحيداً في الصحراء، وسكنت النوارس الجحور وأصبح للأفاعي أجنحة!.
أظن أن من الرائع أن أتعلم منك كيف أبدو كفرسٍ وأنا مجرد يرقة! أو أتباهى كطاؤوس بينما يعلم الجميع أني وطواط ليلي قذر، أو... أو أختفي تحت جلدي لأبدو وزة شهية على مائدة ملك لا يشتهي اللحم إلا أياماً معدودات!.
يا لهذه المدرسة التي وجدت نفسي فيها تلميذة رغماً عني، بعدما صار جلّ قولي: "ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ".. مدرسة كلنا فيها سواء، المهمل والمجتهد، الكسول والنشيط، الخامل والطموح، الصغير والكبير، الرجال والنساء، الأخيار والأشرار.. مدرسة تلقننا الموت كلمات، وتدرسنا الرحيل بأبجدية رقمية جديدة، قد لا تضيف الكثير مقابل ما تأخذه، لكنها تدخلنا بوابة ا لآخرة بأسلوب راقٍ لا يمكن وصفه.
في حياة الإنسان محطات تمنحه الكثير من وقود الثقة والحب والأمل، بينما تأخذ منه محطات أخرى كل ما يملكه البشر من وقود مادي كزينة ولهوٍ ولعبٍ وطول أمل، لكن ينسى الإنسان كثيراً مما يكسب، بينما لا يستطيع أبداً أن ينسى ما يخســره.
* أخافُ إذا طرنا وصارت مواوُيـــل.. يظننا الناس طيرٍ أبابيــــِل..