يتشابه البشر والحيوانات في كثير من الصفات الشكلية والحسية على اختلاف تصويرها ومدى استجابتها لأداء مهامها التي خلقت من أجلها.
فالحيوانات ترى وتسمع وتحس وتستطيع تمييز الروائح وتتحدث أيضاً، لكن بلغات أخرى لا يفهمها البشر أبداً، هي ترى لكن ليس كما يبصر البشر، لأن رؤيتها للبيئة المحيطة بها تتوقف عند حدٍ واحد وهو إشباع غرائزها، أما الإنسان فيبصر ليستطيع أن يحمي نفسه من فوضى الغريزة التي إذا لم تخضع لعقله دمرت المجتمع وقضت على مبادئه كلياً.
وهي تسمع أيضاً، لكن قد تفوق حدة السمع لديها حدة سمع الإنسان، لأن الله تعالى رحيم بهذا الإنسان، مما قد يدخل على نفسه الهلع إن استطاع أن يسمع جميع الأصوات من حوله.
وهي تشعر وتحس بوجود فرائسها وبوجود الإنسان حولها، خاصة تلك الأليفة منها التي ترتبط مع الإنسان بحالة عاطفية فريدة لا تترجمها لغة معينة، اللهم إلا تلك الطاعة العمياء التي تتميز بها تلك الحيوانات لأصحابها.
والحيوانات تستطيع تمييز الروائح وإلا لما استطاعت أن ترعى على أعشاب جيدة تاركة ما قد يضرها من الأعشاب المنتشرة في كل مكان وهي أيضاً وهذا بالنسبة لغير الأليف منها تستطيع تمييز رائحة فريستها عن بعد، وتستخدم تلك الحاسة نفسها لتمييز رائحة الإناث منها في مواسم التزاوج وهذا من عظيم الصنع والقدرة الإلهية.
وللحيوانات لغة معينة لا تفهمها إلا هي وأكدت ذلك تلك الدراسة التي قام بها علماء مختصون بالحفاظ على حياة الدلافين واستطاعوا التقاط أصوات غنائية صادرة عن ذكور الدلافين إلى إناثها في موسم التزاوج بينها كتهيئة لحالة عاطفية ستعيشها تلك الدلافين في حضرة الحب.
الحمامُ أيضاً ذلك الطائر الوديع يغازل بعضه بعضاً بمنتهى الرقة في لغة عاطفية راقية حتى لو كان المكان أقفاصاً مغلقة، والقرآن صور لنا مشهداً من حوار النمل في سورة النمل خلال رحلة سليمان التفقدية لملكه.. وأوضح القرآن الكريم أيضاً أن ما من شيء في السماوات والأرض إلا ويسبح لله، إذاً فكل ما خلق الله من حي أو جماداً إلا ويتحدث بلغة خاصة مسبحة، والغريب أن تكون لغة الجماد تسبيحاً فقط ولغة البشر إفكاً وكذباً وخيانة ونميمة، بالرغم من تحديد الغاية من خلقه تماماً.
الحيوانات حلقة في سلسلة تكاملية بيئية لا يمكن أن تنفصل وتصب في نهاية الأمر داخل خانة المصلحة البشرية ولو أنني خُيرت في أن أبقى كاتبة أو أكون راعية أغنام في ريف من أرياف اليمن لكان ثاني الأمرين في نظري أجمل، فأن تكون كاتباً تخنق أحاسيسك بمظالم الناس وتقتل مشاعرك المرهفة بآلام الآخرين، ليس بالأمر السهل أبداً، بل والأصعب من ذلك أن تجد من يتعمد سحق هذه المشاعر وتلك الأحاسيس دون أن يكترث لأمرك.
ولهذا أقول طوبى لراعية تفترش الزرع وتلتحف بالسماء، تفرق أجزاء قلبها لتجعل على كل ربوة جزءاً ثم تدعوها على نغمة الشوق فيأتينها سعياً لتعود مع رحيل الشمس إلى دارها طاهرة من كل ذرة نسيان.
لكن المشكلة أن صنعتي هي الكتابة وحرفتي هي النقش على السطور وهوايتي أن أدرك معاقل الخوف في قلوبكم وأجلس مشاعر الحب على عروشها وبعد هذا أغادر مملكة الكتابة إلى أجلٍ مسمى.
* لك أيها الرجُل:
حين تشعر أنها منحتك أغلى ما عندها فلا تبخل عليها بأرخص ما عندك.. الكلمة الطيبة، وتذكر أن أكثر الحيوانات شراسة ذلك الذي يكسر زئيره صمت الغابة يهمس بالحب أيضاً حين تقف أمامه لبوة!!.