بينما أصبح بعضنا يعيش بجسد معارضة وعقلية نظام حاكم بقي البعض الآخر حياً بعقلية معارضة وجسد نظام حاكم، وفي منتصف المسافة بين هذا وذاك يوجد أغلبية صامته تعيش بعقلية وجسد وطنيين، وهؤلاء هم الذين يستيقضون وفي ضميرهم نبضٌ قوي وإحساس كبير بالمسؤولية تجاه الناس.
رجال المرور عينة بسيطة من هؤلاء، وعمال النظافة أيضاً عينة أخرى منهم، الجميع أصبح يفكر في أحد اتجاهين لا ثالث لهما، لكن بالمقابل لا يستطيع أن يتحدث بلسانين اثنين مهما كانت حجته بالغة.
الحياة برمتها تغيرت حتى أننا أصبحنا لا نصدق أصوات ضمائرنا وهي تحاول الوصول إلى مسامع قلوبنا لتأمرنا بشيءٍ ما.. في أجسادنا أصبحت تسري كلمات مسرى الدم في عروقنا "الشعب... يريد.. نظام.. رحيل... مشترك" ولكلٍ منها كروموزوماً يحمل صفات وراثية محددة لا تشبهنا تماماً، لكنها تنقي أنسابنا من انتماءات غير شرعية، نحاول أو حاولنا الوصول إليها، أصابت الشارع أصبح مرتعاً خصباً لميكروبات السياسة التي أصبات الجميع وحتى الذين يظنون أنهم نجوا منها بصمتهم، بقيت لديهم كصفة متنحية قابلة للظهور في أجيال قادمة، تغيرت ألوان الأشجار وصارت السماء غائمة باستمرار، لكنها لا تلفظ المطر كنفس أخير يرحم البلاد والعباد من موجة قحط مفتعلة جاءت مع هبوب رياح الحرية في عالم العرب العجمان!.
ما أجمل كلمة حرية حين لا نقيده بالعنف والدم وإزهاق الأرواح، ما أجملها حين تصبح لغة وسلوكاً، فعلاً وقولاً، دعوة ورسالة، وما أحلاها حين تصبح منهجاً قابلاً للتطبيق، لكن هل نحن أحرار فعلاً؟!.. لا لسنا كذلك لأننا لازلنا عبيداً لأهوائنا وغرائزنا وأفكارنا المترفة بالشر والكيد وتمزيق الأشرعة.
لسنا أحراراً أبداً حين نقدح في حق الآخرين ونهتك ستر عوراتهم ونحرض مطامعنا للنيل منهم لأن ذلك لا يعيد اعتبارنا لأنفسنا ولا يشفي غليل إنسانيتنا القابيلية التي فطرت قلب هابيليتنا منذ أن وقف الغراب على قبر أخيه لحظة حداد حزينة! وفي النهاية لكلٍ منا ليلاه وأنا ليلاي هي اليمن، الأرض التي أقلت خطو قدامنا دون أن تئن أو تشكو الثقل، وأطعمنا حلوى الكهولة.
أنا ليلاي وطن بحجم الدنيا، بطول الأحلام وعرض الآمال بوزن الكون وألوان المستقبل.
أنا ليلاي لا حدود لجمالها ولا قيود لوصف محاسنها لأنها في عيني أجمل ما رأيت وأنا في عينيها أروع من كتب! كلانا لا يرى في الآخر عيباً يذكر أو خفوة تنشر أو خطاً يستحق العقاب، أنا ليلاي جميلة بشوارعها الغارقة بماء المجاري وأطفالها المهمشين الجوعى وصناديق القمامة، التي يحتشد حولها الكلاب والقطط في وفاقٍ عجيب لا يشبه ذلك الوفاق الذي بيننا حين يصبح غضن زيتون ويمس رماداً بارداً في أحضان مدفأه، أجلّها لأنها أنا ولأنني هي..كلانا يحطم قيد الآخر حين يكون السجان خائناً لنفسه! ليلاي وطن فكرها بشر وجسدها بشر.. ليست شيئين في شيء واحد.
هي تشبهني حين أصمت رغبةً في الكلام، وأثرثرُ هرباً من البوح واتشرنق طلباً للحرية تماماً كتلك الفراشات التي تتشرنق طويلاً لتخرج إلى الدنيا بجناحين جميلين كرداء ملكة في يوم عيد..
ألطاف الأهدل
أحبها كما هي 2116