كنتم صغاراً تلهون حول الدور لا تعلمون معنى للحياة إلا في حكايا ولعب، ثم شاءت هذه الأقدار أن تكبروا وتهتفوا وتثوروا، غير آبهين بالروح ثمناً لحرية الآخرين بعد أن رحلتم دون أن تروا يمناً جديداً كما كنتم تحلمون بالأمس القريب، رحلتم وتركتم خلفكم أحلاماً وأمنيات وأمهاتٌ باكيات، كم قست عليكم الأيام وأنتم تنتظرون غداً ولم يأت الغد إلا متأخراً على غير عادته! كم اشتقتم أن تفرحوا بوطن يستوعب الأقوياء والضعفاء معاً دون أن يبرر تهميش الضعفاء تخفيفاً من حمولة زائدة!.
كم ترعرت تحت ظلال الروح حمساتكم وأنتم تسامرون القمر في خلوة محب ووحدة عاشق.. لم تترك لكم الأقدار فرصة للحب لأن في السماء وعدٌ بحب من نوع آخر، ولم ترفلوا شكلاً آخر بثياب الغنى لأن الله بإذنه سيمنحكم جاهاً من شكل آخر.. رحلتم حفاةً.. عراة.. أشلاءً ممزقة لم تحمكم سياسات الدنيا ولم تدثركم ديمقراطية الكون ولم تشفع لجراحكم بروليتاريا العالم.. رحلتم غرباء كما كنتم أحياءٌ. فكيف ننسى من علمونا أن الجوع ليس قضية وأن الفقر ليس مشكلة وأن الحرية هي غذاء الروح والفكر والجسد؟!.
كيف ننسى صغاراً زجت بهم أطماع الكبار في معترك السياسية القذرة؟ وكيف ننسى ابتسامات وأزهاراً رفعوها بأيديهم ليقولوا: نعم لحياة كريمة؟! وكيف ننسى صدرواً عارية تكاد أقفاصها ترى لم تنسج الأيام ما يغطيها من لحم الحياة وشحمها الدسم! وكيف ننسى من سمم ثورتكم البيضاء بالخذلان وترككم في ساحة القتال بلا سلاح بعد أن صب في عقولك أفكاره ولم يحظ بالتصفيق؟! كيف ننسى أننا تركنا بعضنا فيكم واليوم نحن بعضٌ فقد نصفه الآخر؟! كيف ننسى شظايانا التي سكنت جسد الثورة وستبقى غائرةٌ فيه إلى يوم القيامة؟! لا تتشابه الأيام أيها الراحلون..
لا تتشابه الوجوه.. ولن تتشابه الثورات يوماً أبداً، رحلتم تاركين شوارع المدينة وشرفات المنازل وكتباً ودفاتر.. وأدخنه تتصاعد باكية أشعلتموها لتقولوا: نحن هنا! لم يلتفت الناس، فقط ألتفت الرصاص والموت فانطفأتم باتجاه السماء قبل أن تنطفئ الإطارات المشتعلة على الأرض.. اطمئنوا، ناموا بسلام.. أرواحكم معلقة على أعناق من جعلكم ذخيرة ودفع بكم للموت حتى يوهب الحياة... بينما لم توهب الحياة يوماً لأحد.. أرواحكم في أعناق من لطخوا بياض ثورتكم بالانتهازية واستخدموا صدوركم العارية دروعاً لأهدافهم الرخصية باسم اليمن ولأجل اليمن واليمن من كل هذا بريئة وعن كل هذا غافلة.
لماذا يجب أن يوجد العنف؟ وأين كان يعيش قبل أن يظهر هكذا فاغراً فاه ليبتلع أزهار تعز اليانعة واحداً بعد الآخر.. آه.. كم أشتاق أن تكون روحي من أثير فتحوم حول هؤلاء الشباب.. أولادي!! كم أهفو لأكون ساحرةً أستطيع أن أغير مسار الرصاصات الطائشة وأحميهم من موتٍ محتم، لكن الموت لا تقف في طريقه ساحرة، الموت هو الموت، لكن.. لماذا لا يأتي على فراشٍ دافيء دون أن يمزق أو يبتر أو ويفقأ..
لماذا دماء؟! وما منا مشركٌ أو كافر؟! هل هو ثمن الحرية فعلاً؟! أم إنها القيمة المادية للسياسة؟! وكيف يمكن أن تكون النهاية حين تكون هذه مجرد بداية؟!، يا لهذا التاريخ.. ألا يمل أن يكرر نفسه بهذا الغثاء؟! لو كنا نملك ناصية الحقيقة لنامت أعين الفضول والحيرة فينا، لكن السياسية والحقيقة لا يجتمعان على مائدةٍ واحدة وليس لهما نقطة اشتراك أو تأثير أو انطلاق موحدة.. أنهما ضدان لا يجتمعان مع بعضهما، مادتان منفصلتان لا تذوبان في بعضهما..
ألطاف الأهدل
إلى الذين رحلوا.. 2126