في حقب تاريخية قديمة كانت المرأة الولود محل احترام وتقدير من الزوج، حتى وإن حظيت بقلبه نساء أخريات، ولهذا تحصل الزوجة ذات الولد على منزلة سلطوية داخل المنزل، تخولها للمشاركة في اتخاذ القرار ولو بشكل غير مباشر، كون مجتمعنا العربي لا يمنح المرأة قرار المشاركة المباشرة، قناعة منه بعدم أهليتها لتلك المهمة.
واليوم أصبحت مسألة الإنجاب من المسائل المتفق عليها قبل دخول القفص الزوجي، ذلك أن أعباء الحياة أصبحت هي الحكم في حصول المرء على ما يريد وما لا يريد في كثير من الأمور.
واليوم أيضاً، نتأمل بوضوح حال البعض ممن يؤمنون بتنظيم النسل وحال الآخرين ممن يتعاملون مع المرأة كوعاء مفتوح في ظل ظروف اقتصادية شكلت غالبية كاسحة من ذوي الدخل المحدود وتكاد في بعض الحالات لا تفرق بين جاهل ومتعلم.
سمعت قبل فترة عن رجل باع أبنائه وأرى كل يوم في اليمن من يسرح أبنائه وحتى بناته تسريحاً قبيحاً، ليصنع منهم متسولين صغار أو ربما مشاريعاً لبلاطجة ولصوص كبار، فمن يدري ما الذي يتعلمه أطفال منازلهم شوارع المدينة وغرف نومهم الأرصفة وألعابهم المفضلة صناديق القمامة.
اليوم يختلف الوضع ويصبح البعض أكثر إدراكاً لمعنى الإنجاب وأكثر تقديراً لحق الطفل في الحصول على رعاية وأمن وغذاء كافي على الأقل في سنواته الأربع الأولى والأمر لا يتوقف عند مصلحة الطفل فقط، بل أن الوالدين هما المستفيدان الحصريان من تنظيم النسل، لأنهما يستطيعان الحصول على حقهما العاطفي الكامل دون أن ينغص ذلك هم أو كدر.
وقد يعترض البعض على هذا الأسباب دينية بحتة، خاصة بترغيب رسولنا الكريم بالزواج من المرأة الولود وكذلك آيات كثيرة في القرآن يتكفل فيها برزق الأولاد، ناهياً الآباء عن قتل أبنائهم خشية الفقر قال تعالى: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ نحن نرزقهم وإياكم"، جاعلاً سبب الرزق في وجود الطفل "نرزقهم وإياكم"، وأنا لا أخالف ذلك أبداً، بل أؤمن أن في الأطفال بركة لأهل البيت وهذا أمر لا يعلمه إلا من جربه، لكنني أؤمن أيضاً بالعقلانية والهدوء والتروي وإعطاء الطفل حقه الكامل من كل متطلبات الحياة وهذا أمر من الصعب تحقيقه في حال وجود أطفال متقاربين في العمر، ناهيك عن أم متعبة لا تستطيع توفير ما يلزم لحياة زوجية هانئة ومن هنا يأتي هروب الزوج من المنزل وبحثه المستمر عن مكان هادئ يستطيع فيه أن يسمع صوت أنفاسه.
"أم العيال" لم تصبح الأسطورة التي تهز عرش العائلة ولم تعد "الطاهش" الذي يخيف الضرة ويهز ثقتها بنفسها، لأن متطلبات الرجال أصبحت أكثر انفتاحاً وتأثراً بثقافات المجتمعات الأخرى.
وما دامت الزوجة الأولى غالباً هي الأقرب نسباً ولا تتمتع بأي مزايا علمية أو ثقافية، تبقى الطريق مفتوحة أمام الرجل للتعدد المبرر في أغلب الحالات.
وبالعودة إلى مسألة الإنجاب، فإن تعطيلها لا يقل خطراً على صحة الأم من الإسراف فيها، ذلك لأن الفطرة قد شاءت بإعطاء كل عضو في جسد الإنسان مهمته البيولوجية والحيوية التي يجب أن يؤديها ما لم يحل دون ذلك مرض أو خلل طارئ يصيب صحة الإنسان.
ويبقى الدور الأكبر للتوعية التي بدأت تأخذ طابعاً جدياً في مجتمعات الريف والمدن على السواء، بالرغم من الصعوبة الفكرية التي تواجهها تلك الحملات التوعوية نتيجة لثقافة التغليب الذكورية والتغليف الأنثوية والتي صبغت عالم المرأة بلون العيب حتى لو لم يكن للعيب فيها ناقة ولا جمل.
وحتى نوع السلطة المتاحة للمرأة لم تعد هي سلطة الولد فقد أصبح لسلطتها العاطفية مكاناً أفضل ووزن أثقل لدى الرجل، وربما حلت سلطتها الوظيفة في المرتبة الثانية إن لم تكن "الأولى مكرر".
والمهم في الأمر أن عزوة المال والدلال سيطرت على عزوة أم العيال في نهاية الحال والمقال!.
ألطاف الأهدل
أم العيال وأم الدلال 2477