لو كانت الطواويس كالغربان لما اختالت، لكن الجمال دائماً يبعث على الثقة بالنفس والقوة في عرض المقدرات الكامنة والتباهي بالمقومات الشكلية.
جمال الروح أيضاً له دلالات اختيال وزهو حين يعلم المرء أن المستمع الذي أمامه سيقول: نعم، قبل حتى أن يلقي خطابه أو محاضرته، ذلك التناغم والتوافق اللفظي والحركي مع محاولة الوصول إلى ماهية الروح التي أمامك تجعل خطابك الفطري الشفاف أشبه بتعويذة حب تدفعك إلى الغوص في أعمال قناعاتك وتهذب جنوحك صوب إيذاء ذاتك وتداعب رغبتك بالإرتقاء حتى تصل.
وليس معنى هذا أن من أوتي نصيباً قليلاً من الجمال لا يؤدي صلات التواصل والاتصال بالآخرين، إنما لكل من هؤلاء طريقة ومجال خارطة عبور تختلف عن الآخرين، فحتى البشر لهم شفرات نفسية وسلوكية معينة، تحمل دلالات وجودهم وتفاعلهم مع محيطهم بأنماط وطرق مختلفة.
الجمال مولود بولادة الإنسان، فيكفي أن تكون خالياً من التشوهات الخلقية لتكون جميلاً ويكفي أن تكون متحرراً من العيوب الخُلقية "بضم الخاء"، لتكون مؤثراً في الآخرين.
ما من البشر إلا ويحمل صفات جميلة مهما بدى عادياً أو دميماً للوهلة الأولى، وما منهم إلا ويحمل صفات منفرة أو سيئة مهما بدى فاتناً من النظرة الأولى.
الجمال ليس هيئة وإنما شعور وكم من الناس يحمل صفات شكلية ومادية يتمناها الآخرون، ولكنه يعيش حالة نفسية سيئة، لأنه يعتقد في داخله أنه لا يحمل أي صفات جميلة كالآخرين.
سوق الجمال اليوم أصبحت سافرة إلى أبعد حدود السفور ومتبرجة حد الغواية، وهي سوق المرضى الذين جعلوا للجمال مقاييس نافرة وأخرى ضامرة حتى أصبح رواد هذا السوق دمى متحركة تشبه بعضها بعضاً، وربما يفرز بعضها بعضاً.
بينما الجمال الحقيقي هو ذلك النوع من الثقة المتوهجة التي تعتمد الجاذبية لغة لها والتي يكون قوام خليطها الفكري الجسدي متجانساً بانسجام مع مادة الحضور وقالب التجاوب مع الآخرين.
هل لاحظت قبل اليوم كيف تشع أعين الناس وكيف تبتسم؟ كيف ترضى وكيف تحزن؟، هذا بحد ذاته جمال يسلب العقل، فكيف إذا تأملنا طويلاً بعضنا بعضاً؟ يختال الرجال الأنيقون كما تختال الطواويس وإن ارتدوا بزات الغربان، لأن لديهم اقتناع بماهية الأناقة، وتتبختر النساء الرشيقات بدلال، لأنهن يدركن أن الرشاقة نصف الجمال، بينما تصر البدينات من النساء مثلاً أن البدانة هي كل الجمال!، ذلك ليأسهن من الداخل بإمكانية الوصول إلى جسد مصقول ومعتدل.
وإذاً فالجمال ينبع من الداخل ثم يشذب فقط من الخارج، تماماً كأشجار الكاليبتوس التي تزين الحدائق والأرصفة لا يظهر جمالها إلا عندما تذب وتقص أغصانها بعناية فائقة وذوق رفيع.
يجب أن نشعر بالجمال، لأن هذا الشعور يدفعنا للحفاظ على نصيبنا منه مهما كان بسيطاً، وربما أصبحنا أجمل فقط إذا شعرنا بذلك.
تصلني الكثير من رسائل القراء الذين يشكون لي عن افتقارهم لمقومات الجمال، خاصة من النساء بينما تعهد هذه الحقبة الزمنية هي حقبة الجمال المستنسخ، إما أمام المرايا أو بين أصابع الجرَّاحين المهرة الذين يستطيعون بفضل إحساسهم بمعنى الجمال أن يصنعوه بمشرط وخيط وامبولات كولاجين ساحقة لتجاعيد الشيخوخة.
اشعروا بالجمال فقط، وشذبوا إحساسكم به كما تشذبون تلك الشعيرات النافرة على الشفاه أو الحاجب، إنه عصر الجمال الذي يحتسى في ثوب أنيق وشفاه مفعمة بالبساطة وخصلات مصبوغة بالفرح وأشياء أخرى أكثر دقة، أنتم تستطيعون الإحساس بها أكثر.
فقط قولوا: نحن أجمل.. نحن نستحق.. وأحبوا وجوهكم كما هي، لقد فعلتها الطواويس والحمائم والدلافين وإناث النمور من قبلكم؟ فلماذا تفعلونها أنتم؟!
ألطاف الأهدل
لماذا تختالُ الطواويس؟ 2369