من السهل جداً أن ينصب الإنسان نفسه لموقع سلطوي معين على أساس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" لكن من الصعب جداً أن تحقق العدل وُتنشر الفضيلة باستخدام تلك السلطة بمفردها دون أن يكون لديك أدنى فكرة عما يجب أن تفعل.. الآباء يستخدمون العقاب بمختلف أنواعه "اللفظي، الجسدي، المعنوي" لإثبات أهليتهم للسلطة لكنهم ليسوا على استعداد لإصلاح أنفسهم حتى يصبحوا قدوه جيدة لما بين أيديهم وهذه هي القاعدة الأسوأ في مجال السلطة.
القدرة المحدودة على التغيير وبالتالي انعدام القدرة على تطوير الحرية والتغيير كلاهما مرادفه تحمل معنى الأخرى لغة واصطلاحاً، فبدون الحرية لا يحدث التغيير وبدون حدوث التغيير لن نتذوق طعم الحرية ولهذا كان من جميل ما صنعت ثورة الشباب أن أسمت ساحاتها بتلك المسميات الديناميكية والتي نتمنى أن تتحول من مجرد مسميات إلى أسلوب حياة السلطة القبلية تمجد السلطة الأبوية وتقدس سلطة الأمومة ولها حضورها اللافت في مجتمع عشائري محافظ يستطيع التمييز بين سلطة القبيلة وسلطة القبول!.
وتبقى السلطة بهذا الشكل القاصر بعيدة عن التمكين وقصية عن التشريع بل وغير قادرة على التنفيذ وإلا لما وصل الفساد في جحورها إلى ما وصل إليه اليوم سواء في اليمن أو سواها من البلدان التي اتخذت السلطة وسيلة للسيطرة والتسلط وحب الظهور وزرع جذورها الفاسدة على فترات زمنية متلاحقة حتى أتت ثمارها المرة التي سممت ثقافة المجتمع بالكراهية والتفكك وسوء التخطيط للمستقبل والانقياد خلف سياسة وضيعة مزيفة لا تكاد تصلح للحكم بين سكان مملكة من الفئران.
السلطة اليوم تنتزع العدل بدلاً من أن تفشيه وتقتل الفضيلة بدلاً من أن تنشرها وتبدد الثروات بدلاً من أن تجمعها وتحرق الأرض حتى لا يزرعها من يرث العرش بعدها، أصبحت السلطة مجرد لعبة قذرة، مضماراً للذين علت كبواتهم وشمخت إخفاقاتهم وثملت على موائد القمار إرهاصاتهم، اليوم في اليمن وفي غيرها من الدول أصبح للسلطة رائحة مميتة ونكهة قذرة، قواعد غامضة، أسس واهية، معان بغيضة، أصبح بينها وبين الشعوب ثأراً نائماً لأنها قتلت حرياتهم ووأدت إحساسهم بالإنسانية وحالت بينهم وبين ما تراه عينهم من الأمل.
السلطة اليوم لم تعد ذلك الكتاب المقدس الذي تنضح جنباته بالعدل سفراً سفرا وما عادت هي تلك التعويذة القادرة على تحويل رؤوس البشر إلى جماجم رمادية بآذان طويلة وشفاة متدلية، لم تعد واضحة وخالية من الشوائب ونقية من الميكروبات، بل أصبحت ملقحة بجميع أنواع الفيروسات ولهذا قتلت ومزقت وشوهت وحطمت ثم تداعت كما تتداعى قلاع النرد الصينية بحركة سبابة طائشة لا حصد إلا التسلية والتسلية فقط.
السلطة "بضم السين وتسكين اللام " أصبحت سلطة "بفتح السين واللام"، لأنها أصبحت بأكثر من لون وشكل ونكهة، هذا تبقى مجرد مقبلات خفيفة لا تصلح لأن تكون وجبة كاملة مشبعة لشعوب عريضة جائعة للعدل والحرية والاستقرار المادي والاجتماعي، السلطة اليوم أصبح السيف المسلط على رؤوس الشعوب إثر غياب فكرة الصولجان العظيم الذي يرصف طريق الطوفان بحجارة النجاة، السلطة لم تعد القانون الصارم الذي يمنع وقوف أو وقوع الثورات قطعياً على المسار التاريخي للدول، بل أنها أصبحت "المطب" الذي يحاول أن يصد مسار الحريات ويحد من تدفقها.
ألطاف الأهدل
سوء استخدام السلطة 2688