يحتاج الإنسان منا إلى الحب والرعاية والشعور بالاهتمام من قبل الآخرين، وهو يتلقى ذلك فطرياً من والديه والأكثر قرابة إليه، لكنه يتلقاها من محيطه وفق إستراتيجية عمل معينة، وبناءً على اتفاقية مسبقة تعرف كلا الطرفين بواجبه نحو الآخر، مثل علاقات العمل مثلاً، هذه الرعاية غير مجانية وتسير نحو الأعلى في استجابة هرمية لمتطلبات النجاح والتميز التي يحتاجها الإنسان لإثبات وتثبيت حالة الديمومة الإنتاجية التي يعيش الإنسان في ظلها بعيداً عن الكفاف المادي والمعنوي على السواء.
علاقات الإنسان مع محيطه تتدرج عاطفياً وفق الانتماء والعرقية والعاطفة القادرة على جذب الآخرين، بعض علاقاتنا مع محيطنا الاجتماعي تتم وفق شروط إجبارية غير مرئية وهي من أقبح أنواع العلاقات البشرية، لأنها قد تجبر الإنسان على تقمص أكثر من شخصية في موقف واحد، وبالطبع سرعان ما تفشل هذه العلاقات تحت طائلة التعددية المطلقة خلال المواقف الموحدة التي لا تحتمل الانتشار والتفشي.
الحُب نوع من أنواع العلاقات الذي يراه الناس حصراً على علاقة ثنائية بين رجل وامرأة، بينما يقف الحب على رأس جميع العلاقات البشرية ويتوقف نجاح تلك العلاقات على وجوده بقوة كبيرة وحضور ملحوظ.
في علاقة الحاكم بالمحكوم يجب أن يكون للحب نسبة معينة، حتى يستطيع كلا الطرفين القيام بواجبه الكامل تجاه الآخر مع الوقوف بصلابة إزاء الحدود القاتلة للعلاقة المعقدة والمتسلسلة والغير مباشرة التي تتسم بضيق المواقف وردود الأفعال وازدواجية الحكم والتحكيم، ولهذا تظهر على ضوء هذه المفاهيم حركات ديناميكية نشطة بين أفراد الشعب، قد تسمى انقسامات أو ثورات أو تيارات قد لا تخدم مصلحة الفرد في شكلها الأولي، لكنها تدعو باستمرار لتحقيق مصلحة الجماعة، لكن في كل مرة تثور فيها الشعوب أو تنقسم أو تسير وفق أو عكس تيار معين، تتصاعد على سطحها فقاعات تعمل على تشويش المنظر العام لتلك اللوحة الجماهيرية التي شكلتها يد الإرادة والطموح للارتقاء.
ليس هناك أي علاقة بشرية لا تحتاج إلى الحب والرعاية والاهتمام حتى علاقة السجان بالمسجون والظالم بالمظلوم، وفي كل مشهد من هذه المشاهد النائية عن ذاكرة الإنسانية، تتدخل المشاعر البشرية دون أن يشعر الجميع.
العلاقات البشرية المؤثرة تعتمد على أساس قوي من البناء الذاتي الذي يسمح بوصول أكبر قدر ممكن من الآراء والاقتراحات والأفكار، دون أن يفرض سياسته الصارمة لتنقيحها وفرزها وربما تأويلها وفق احتياجات اللحظة الحرجة، قبل الوقوع في فخ النرجسية الغامضة أو الارتطام بجدار الجنود المحتم.
الفطرة البشرية لا تحتمل التقييد والتبعية والانصياع السهل، لكنها تقف على طريق التسييس والتشريع والاختيار المقنن، ولهذا تجد بعض التيارات مبرراتها المعقولة واللامعقولة أمام جمهور البشرية، غير أن التاريخ لا يغفر هفوات البشر ولا ينسى زلاتهم ولا يتجاهل رغبتهم العارمة بالظهور على حساب آخرين شاءت أقدارهم أن يقفوا، أن يقفوا حول المشنقة، ليراقبوا وصول الموت فصلاً.. فصلاً، لكن دون أن يموتوا.
الحياة قائمة على سلسلة كبيرة جداً من العلاقات البسيطة والمعقدة بين كل ذرة من ذراتها، وحتى تلك التي تبدو طبيعية لم تعكر صفاءها أنامل الإنسان هي في الحقيقية أكثر تعقيداً مما تبدو عليه، لأنها مرت قبل أن تصل إلى الوجود بمراحل سحيقة من التفاعل والرغبة في الظهور، حتى أصبحت واقعاً ملموساً ومحيطاً مدروساً بعناية من قبل الإرادة الإلهية.
ومهما بدت علاقات البشرية بسيطة، إلا أنها تحمل الكثير من الأسرار والألغاز والأحاجي التي تعطيها سمة القدرية المطلقة، كونها ضعيفة جداً أمام الغاية من وجودها.. ويبقى الحب منظماً لعلاقات البشر ومسيطراً على مداخل بقاءها الآمنة، وهو الوحيد الذي يحميها من شراسة الوجه الآخر للبشر خارج منطقة الإنسانية.
////
ألطاف الأهدل
علاقات مُعقدة ... 2353