يبقى الوطن هو القلب الكبير الذي يتسع للجميع، والحصن الوحيد الذي يحمي الكل والسفينة التي لا تغرق ركابها أبداً، الوطن مسرى الحب ومعراج الكرامة والعزة، الرحم التي تمضغ في أحشائها الجميع والجسد الواحد الذي تتداعى أعضاؤه ألماً إذا أشتكى الحمى أو عانى المرض.. يبقى الوطن عنوان الجميع إذا تاهت المدن ورحلت الأرصفة واختفى عن أعيننا زقاق الطفولة وممشى البراءة ومساحات الصبى، كم أطعم بطوننا الخاوية من لذيذ ثمرة، وأروى شفاهنا الظامئة من زلال مائة وكم سكب داخل قلوبنا من فيض هنائه.. كم أحتمل تبختر خطواتنا وصهيل أصواتنا.. لم يعتب.. لم يتململ.. كالأمهات هو حضن الدفء والأمان والراحة والإطمئنان.. الوطن اليوم بحاجة إلى الاعتراف بالجميل ورد المعروف إلى أهله.
هو يشكو مرارة التناحر والتشطير بين أبنائه، يشكو انشقاق صفه وتبدد أحلام وحدته، هو يئن.. فهل منكم من يسمع؟!، يتأوه فهل منكم من يشعر؟!، يعاني تمزق أوصاله، فهل منكم من يعقل؟! أطفال اليمن بحاجة ليروا نور الحياة كما يراه أطفال العالم.. هل عاش هؤلاء الأطفال والشباب سنوات عمرهم الأولى في ضنك العيش ليكملوا ما تبقى من العمر بلا حواس أو أعضاء أو أرجل تحمل أثقال أجسادهم التي هدها الجوع والحرمان وطول الصبر واليوم يؤرقها سيل السياسة وطوفان التحزب وموجة الغدر اللعينة التي أنست الناس أمهم اليمن.
من مثل هذا العملاق الذي يحيطنا بذراعيه ليعبر بنا على بساط الأمنيات إلى بر السكينة؟! من مثله يقهر الطاغي لترسو بنا السفينة؟!، من مثل هذا الوطن؟!. أكواخه أحب إلينا من أبراج الزجاج البعيدة، وسهوله المترعة بنسائم الخير أجل في أعيننا من المدن الشريرة، ومدرجاته السامقات أعز على قلوبنا من اختراعات تليدة.. من مثله في الشموخ وفي الكبرياء وفي الأصالة والانتماء؟!.
أيها الشباب نحمل أكتافكم اليوم مسؤولية الخروج بالوطن الغالي من مستنقع التخريب والتمزيق والشتات إلى بقعة الحوار والعقلانية والتعاضد وشد أزر بعضنا البعض حتى لا تصبح بلادنا مرتعاً خصباً لأمراض السياسية والتحزب والعنف والطبقية والانشقاق، وحتى لا يموت ضرع وتنحني سنبلة ويموت طفل يحملكم روحه أمانة إلى يوم القيامة.. ويهتك ستر امرأة ما وجدت منكم صاحب نخوة أو كرامة.. الوطن اليوم يستغيث بكم على ضفة أحداثٍ عقيمة ومصائب أليمة وخلجات سقيمة.
مخطئ من يرى الحياة في أوراق متساقطة أو سحابة راحلة أو جبال من الجليد الذائب أو باقة وردة رائعة، لأن الحياة خليط متكامل من هذا وذاك ولكن ولشدة ضعف البشر وتعلقهم بالأمل يرون نصفها الأخضر ويتجاهلون النصف اليابس أو يسرفون في البكاء على أطلال ماضيهم ويتجاهلون أن الشمس تشرق من جديد وأن للأيام هدايا لابد أن تصل في وقتها المحدد وأن الأنهار لا تتوقف عن السقوط في شلالات وافرة حتى وأن أجهضت الجبال صغارها وأودعتها تذكاراً في بطون الأنهار.
هل تراني كيف تجوب أصقاع روحي ولا تصل إلى عينيك؟! كيف تتحسس بصمتك معالم قلبي ولا أرى يديك؟! كيف؟، كيف؟!.