لقدرة الإنسان حدود، كما أن لعلمه حدود أيضاً ولهذا يبقى الإنسان جاهلاً بالكثير مما يدور حوله مهما بلغ علمه ((وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)) [الإسراء :85]، ويبقى هذا العلم الذي حصل عليه الإنسان متوفراً في إطار الخدمة البشرية المحدودة أيضاً والغير مطلقة كماً وكيفاً وفق إرادة ربانية لا يعلمها إلا الله، وكل ما وصل إليه الإنسان من تطور علمي تكنولوجي يبقى في إطار المسموح به والموافق لقدرة احتمال البشر من عالم الأرض أو السماء، وصل الإنسان إلى سطح القمر واستطاع أن يغزو الفضاء بكم هائل من المسابير "جمع مسبار" التي قربتنا أكثر من مجوعتنا الشمسية، لكنه مع ذلك لم ولن يستطع الوصول إلى السماء الأولى، وبالمجهر عرف الإنسان الكثير من الميكروبات الدقيقة التي تعيش حلوه وعن طريقها استطاع أن يداوي الكثير من الأمراض، لكنه لم يستطع أن يكتشف الكثير من الكائنات الأخرى التي تسبح حولنا دون أن نراها.
هو استطاع أن يداوي أمراضاً مزمنة وعلات مستعصية، لكنه لم يستطع أن يجد دواءً للموت! فلسف الإنسان وجوده علمياً وفق سلسلة مرفوضة من الافتراضات حين بدأ قرداً وانتهى إنساناً سوياً لكنه لم يستطع أن يفلسف حقيقة الفقر والغنى، الصحة والمرض، الحزن والسعادة والتي تتمحور حول حياته كمفاهيم تطبيقية غير قابلة للتجريب!..
وفي كل حقل علمي عمل فيه الإنسان كان للشيطان نصيب منه إذ صنع السلاح ليدافع عنه نفسه ثم طوره ليقتل به الأخرين، صنع الدواء لأجل الأخذ بأسباب الشفاء ثم طوره ليصبح سماً زعافاً أو رفاهية كاذبة في صورة حبات لصنع المزاج والذهول عن المحيط.. صنع أسباب الحياة البسيطة لتقوده إلى أسباب الوفاة المعدة، طائرات عربات، قطارات.. خطوط سريعة قربت البعيد لكنها أبعدت الكثيرين عن أقربائهم وذويهم، قربت الموت وأبعدت كل معاني الحياة في رحلات جوية وبرية وبحرية وحتى ضمن أنفاق بعيده عن سطح الأرض، لم يكتشف الإنسان ذلك الإبداع الرباني في قضية هامة وهي دفع الله للناس بعضهم ببعض ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)) [الحج:40] ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)) [البقرة:251].
هذا الدفع الرائع ذو القرة الهائلة هو ما يجعلنا نعيش ضمن دائرة خدمات وخبرات حلزونية غير منتهية لحصول المنفعة بكل أشكالها بين البشر، ولم يستطع الإنسان إلى الآن أن يكشف الغاية أو حتى الآلية الدقيقة التي يتم بها هذا الدفع، هذا الدفع هو ما يجعل للفقراء حقاً من مال الأغنياء، وللكبار صوت مسموع أما الصغار، وللضعفاء جزءاً معلوم من نصيب الأقوياء، نسير هذه الدائرة الحلزونية إلى الأمام بصورة مستقيمة، لكنها أيضاً ممتدة توازياً مع خط الحياة، لكن كائناً حياً مهما كان حجمه ومهما كانت قدرته، لا يعلم أحدنا مثلاً لماذا سار في طريقٍ ما لم يعتد على السير فيه من قبل كون الحكمة الإلهية معنية عند حدوثها يعلم الإنسان أنه سار هنا ليمنح فلاناً مالاً أو يشهد حدثاً أو يحصل على ميزة معينة قدرت له في هذا المكان وفي هذا الزمان تحديداً.
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ووفق الاقتناع بهذه القدرة يجب أن نؤمن أن الأقدار تضعنا أو تضع سوانا على الطريق لأسباب الإلهية وليس كما يقول البعض بأنها محض صدفة، إذا أن المكسب الذي تحققه من خلال بيع أو شراء لم يأت صدقة، والمرأة التي تتزوجها أو الرجل الذي أصبح شريك حياتك لم يكونا صدفة، ومنازلنا التي نسكنها، والطريق التي نسير عليها وقطرات الماء التي تروي عطشنا، كل هذا ليس صدفة أبداً أبداً، دفع الله الناس هو ما يخمد الفتن أحياناً ويطفئ النيران عبر أسباب ومسببات لها اعتباراتها لدى الفريقين، لكن للأسف يدّعي الإنسان أنه على علمٍ بكل شيء والحقيقة أن أكثر الناس لا يعلمون.
ألطاف الأهدل
ولكن أكثر الناس لا يعلمون 2389