توقفت فجأة موجة البحث عن أماكن شاغرة، وانسحب البعض من مزاد الوطن دون أن يشتري وعاد كثيرون بخفي حنين عندما استشعر العقلاء حجم الهاوية التي كان من المتوقع أن تبتلع الوطن، لأن البحث عن منفى أحياناً قد يكون أسهل بكثير من البحث عن وطن!.. ولأن البقاء ضمن دائرة النار أحياناً يصبح ضرورة، لهذا وبعد أن ألقى الجميع عصيهم جاء العقل ليلقف ما يأفكون وجاء الإحساس بحق الوطنية ليردهم خائبين، ها قد أستوعب الجميع ذلك الدرس الصعب بأرقامه ومعادلاته ورموزه الشائكة وطلاسمة الغامضة ولم يصبح من الضروري أن نستعين بـ"مدرس خصوصي" ليحصل الجميع على حصته من الجهل والتجهيل كورقة حاضرة مع مجاميع لا حصر لها من أرواق السياسة القاصرة عن احتواء التوترات والضالعة في فلسفة خلق الأزمات!.
سياسية الترقيع والقص واللصق هذه خلقت ظروفاً اجتماعية متفاوتة على مستوى التكتلات ذات البرامج الحزبية النشطة أو حتى على مستوى الأفراد أصحاب الطفرات غير المدروسة وصولاً إلى الصامتين عن الحقيقة وهم تلك الفئة التي لم تستوعب قضية الوطن إلى اليوم ومروراً بمن ينظرون ويرسمون خرائط الوصول إلى الكنز المفقود كوسيلة رخيصة لإضاعة الوقت والجهد وتمييع مُسلمات الحدث وشواهده في قاع المحيط السياسي، ولهذا أصبحت مقترحات الدخول أو الخروج من دائرة الحوار تلعب دور المحرض الذي ليس له في العبر ولا في النفير بل إنه يتوقف التلويح بورقة الحوار وفرضها كحالة طارئة وقانون قابل للتطبيق دون اعتبار لزمان أو مكان بعينه، إن الواجب الوطني والإنساني يدفعنا للقول بالهروب من مربع الاقتتال والتمزق وإلغاء الهوية اليمنية من دفتر التاريخ الحضاري لهذا الإنسان الذي حضر بأظافره سفوح الجبال وأنشأ مدرجات اليمن كرمز وطني قوي إلى هيمنة الروح واليمنية على بيئة قاسية وتضاريس أكثر قسوة، لا أدري ما نوع الخيار الذي يمكن أن تطرحه التطورات القادمة على إثر المرور سلفاً بمفترق طرق إجباري بين ثورة لم تكتمل ونظام لا زال يؤمن بالعرقية والتوريث بالرغم من ارتدائه أثواب الديمقراطية الكرتونية لأكثر من ثلاثة عقود، ترى ما هو الخيار الأفضل أمام شعوب انتفضت فجأة لتحصل على الحرية الحقة لكنها وقعت ضحية لمخطط استعماري جديد يحمل توقيع الحكام أنفسهم، هؤلاء الذين كانوا بالأمس القريب حلفاء، أولئك أصبحوا يعيشون معمعة الانتماء دون أن يكن لوجودهم أو رحيلهم أي مبرر!.
في اليمن لا شيء يصبح كما أمسى ولا شيء يمسي كما أصبح، عوامل التعرية الاجتماعية والسياسية والقبلية في اليمن تشكل الأحداث بسرعة جنونية وفق معطيات داخلية شديدة الخصوصية وعديمة الثبات نتيجة لتركيبة مزدوجة من ردود الأفعال المساوية والمغايرة لاتجاه الأزمة، ويرى البعض أن الثورة اليمنية أرخت سدولها بعقلانية شديدة وفق ما يتطلبه الوضع الحالي في حين يعلن البعض الآخر توقف نمو الثورة في رحم الإرادة الجماعية وتحوليها إلى أداة قتل في يد القبيلة اليمنية بين مؤيدة للنظام ومناوئه له، وبين ما طرحته يد الثورة وتناولته يد النظام مسافة شاسعة لوضع الحواجز، والذي نرجو أن لا تكون تلك الحواجز بشرية! إذ لا يعقل أن تبقى حالة التناقض بين الواقع المرفوض واللآديمقراطية المفترضة وقتاً أطول مما يجب حتى لا ترتخي حبال الصبر ويفقد الناس ثقتهم بما تبقى من حكمة اليمانيين.
ألطاف الأهدل
من يد الثورة إلى يد النظام 2040