حين يكون السلام هو الطريق الذي ارتضاه شباب الشرارة الأولى للثورة اليمنية وعلى درب هذا السلوك النبيل لحق بهم الملايين من أبناء الشعب مدنيين وعسكريين رجالا ونساء وفي الخارج كما في الداخل أيضا بعد أن تجلت عظمة هذا السلوك السلمي الحضاري بسقوط مئات الشهداء من الشباب المسالم فضلا عن آلاف الجرحى والمعاقين مع قدرتهم على حمل السلاح التي لا تخلو أسرة واحدة من قطعتين منه على الأقل ليس ذلك إلا إيمانا منهم بأن السلام خيارا ارتضوه منذ بداية هذه الثورة التصحيحية لثورتي سبتمبر وأكتوبر وأن لا حياد عن هذا الخيار الاستراتيجي حسب مقتضيات التغيير واللياقة السياسية وبقدر ما تولد لدى شباب الثورة ومعهم الملايين من أبنا الشعب التواق للحرية من وعي المسار الثوري السلمي بمقابل ذلك كله فإن شراسة الأجهزة العسكرية الصالحية الذي يزداد فحشا ودموية وإجراما في مواجهة الشباب المسالم الأعزل بمختلف أنواع آلات الموت المتوسطة والثقيلة مع سبق الإصرار والترصد للقتل العمد والمباشر كما ذكر مراسلو القنوات الدولية يكون قد بدأ بتوليد قناعة أخرى لدى بعض شباب الساحات الثورية إن لم يكن على مستوى أكبر بعد عودة صالح المشئومة يقضي بأن إستراتيجية السلام في إسقاط العصابة الصالحية كخيار شعبي ليس إلا إيمانا بحرمة الدم التي جسدتها الآية الكريمة عن ابني آدم الذي كان رد أحدهم على أخيه الذي هدده بالقتل "لئن بسطت يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك.." ولكن أن تتمادى هذه العصابات العسكرية بجرائمها الدموية دون رادع أو ضمير إنساني قد يوجب البحث عن طريق آخر في كيفية الدفاع عن الشباب من بلاطجة وقناصة صالح المأجورين وأن المبدأ العسكري الذي يقول "إن خير وسائل الدفاع هو الهجوم " قد يكون خيارا آخر على طاولة البحث في توقيت ما بعد عودة الجسد الصالحي ومعاودته لمكايداته ومكابراته الفاضحة مستقويا بمملكة آل سعود ومتفائلا بالصمت الدولي تجاه عودته لهوايته الدموية التي خلفت ما يتجاوز الـ 183 شهيدا ومئات الجرحى في غضون أسبوعين من رجوعه وكر دار الرئاسة..
كان تحليلا ذكيا وعميقا رأي القدس العربي عن سياسة المملكة السعودية تجاه الثورة اليمنية وخلفها الولايات المتحدة حين ذكرت بوضوح صارخ حرص المملكة على إطالة أمد الأزمة اليمنية على أن تتسبب في إجهاد طرفي الصراع بما يفضي لطرف وسط وضعيف ينبثق من رحم جثتيهما المستنفذة الحركة والقوة وبما يمكن على الأقل من عدم الذهاب بعيدا عن وصاية ال سعود مستقبلا لكن لم تعد وجبات المطبخ السياسي السعودي العفنة تنطلي على احد وشباب الساحات الثورية يملكون من عمق الرؤية وطول النفس ما قد يفوق حلم سعود الفيصل من التغلب على مرض الانحناء!!
حين تكمن عظمة الثورة اليمنية في سلميتها يكرر شباب الثورة أن "السلمية" ليس ضعفا أو خوفا وإنما خيارا طوعيا وسلوكا مدنيا يعكس مدى السمو الأخلاقي في رؤية الشباب الحريص على ضبط النفس من طرف واحد رغم قدرته على الرد والقصاص لنفسه بل وسحق أولئك المرتزقة الذين يقتاتون على أرواح ودماء الشباب المسالم والأطفال الأبرياء لكن اعتقد أن شباب الثورة يدركون جيدا أن حتمية السقوط لصالح وعصابته التي باتت واضحة ووشيكة ستدفعه وبكل ما أوتي من قدرة بائسة- دون حساب المخاطرة لمصيره بعد أن أعمى الله بصيرته- على هدم المعبد كما هدد مرارا على رؤوس الجميع حينها وإن كان أول من سيحترق بأبدية مطلقة مرة أخرى بناره تلك إلا أن ذلك سيزيد من العبء الصعب مستقبلا على النظام الذي سينبثق من وحي الثورة ويجعلنا ربما نعيش شهورا إن لم تكن سنوات من التخبط والفوضى لكن مؤكد أن شباب الثورة ومعهم أبناء الشعب التواق للحرية وكذلك أحرار الجيش المؤيد للثورة لن ينجروا بسذاجة إلى مستنقع صالح الدموي ولديهم من التكتيك العسكري ما يجعل قطط صالح الأمنية والعسكرية تتوه وحيدة في أحلام العوم على برك الدم التي لا يزال الضمير الصالحي مبتلا بها حتى اللحظة ومستمر...
إنني أحذر –كأحد شباب الثورة السلمية- حين يعصرني الأسى ألما على زملائي الشهداء والجرحى من انحراف مسار الثورة السلمي واللجوء للحسم العسكري حين ترتفع صوت البندقية التي يحترفها صالح وقواته الأمنية على صوت السلام وأؤكد بوضوح العبارة أن الشهداء الذين تصدوا بأجسادهم الطاهرة وأرواحهم البريئة كل هجمات قوات مكافحة الشغب وقوات الأمن المركزي منذ أول انطلاقة للتظاهرات من جامعة صنعاء وأول خيمة اعتصام أمام بوابة الجامعة وحتى يوم جمعة الكرامة المشئوم مرورا بأيام الموت الجماعي على جولة النصر "كنتاكي" أؤكد أن أولئك الذين سقطوا وهم عزلا لن يكونوا ليقبلوا أن ينحرف مسار الثورة السلمي إلى حسم مسلح كما ينادي به البعض الذي وصل بهم الملل حد اليأس والانفجار..!!
إنما نستطيع أن نتفهم افتعال أجهزة الأمن العائلي للمواجهات المسلحة مع أحرار الجيش والقبائل في صنعاء ونهم وأرحب وتعز وغيرها من المدن اليمنية على خلفية تأييدها للثورة الشبابية الشعبية السلمية وحين يكون حق الدفاع عن النفس طبيعة بديهية تكفله الشرائع السماوية والقوانين الدولية فإن حماية شباب الثورة المسالم قد يكون من مسؤولية القيادة العسكرية المؤيدة للثورة ومسوغا قانونيا لاستخدام القوة كتكتيك شرعي وأخلاقي إنساني بعد الصمت الفاضح للمجتمع الإقليمي والدولي والذي لا يصل هذا التكتيك حد انحراف الثورة السلمية عن مسارها الحضاري في سعيها لاستئصال الحقبة السرطانية الصالحية من جسد هذه الأرض وتاريخها بعد أن انكشف بجلاء صارخ عورة الضمير الصالحي على مسامات جسده المحترق..!
ألطاف الأهدل
الثورة اليمنية.. بين إستراتيجية السلام وتكتيك الحماية 2370