المتأمل في حال المرأة اليمنية يستطيع بسهولة أن يميز عظمة الكيان الذي يقف أمامه ومدى قدرته على استلهام النصر بجزيل الصبر والجرأة في استخدام أدوات العمل الاجتماعي والسياسي والثقافي بحرص وإبداع واقتدار.
المرأة في اليمن كائن نضالي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ويكفي أنهن لا يخضعن وجوههن وأجسادهن لشفرات التجميل الحادة ولا ينشغلن كثيراً بتشذيب أطرافهن، لأن هؤلاء النساء يكافحن الفقر بنسيان أنوثتهن ويجابهن مصاعب الحياة بتجاهل مواسم النعومة والجمال.
المرأة في اليمن تطهو بمقاييس محدودة، فيجب أن تتقنها وتتفنن في تقديمها باقتدار شديد، فمثلاً هي تعد الخبز البلدي عن طريق التنور ويجب أن يكون خفيفاً ومقرمشاً وبحجم يوحي لمن يتناولونه على مستوى عالٍ من المرونة، منظمة من حيث طريقة التقديم وساخنة، ولا تشتهر المرأة المجيدة لأنواع الحلوى كما تشتهر المرأة الخبازة أو العصادة على حد قول الجمهور من الرجال خصوصاً.
شخصياً وفي أول تجربة لي أمام تنور أمي ارتديت طناً من الثياب التي يمكن أن تحول بيني وبين هذا البركان الجميل وفي غمرة التحدي وجدتني ابتاع تنوراً خاصاً، لأنني اكتشفت تمسك أولادي بخبز جدتهم أبقاها الله.
أذكر أنني جلست إلى مكتبي ذات يوم ونسيت التنور بما فيه ولم انتبه إلا على صوت جارتي وهي تسألني عن سبب الدخان المتصاعد من منزلي، لكن هذا هو ثمن الأفكار الجميلة التي تطرأ فجأة وتختفي فجأة أيضاً، إذا لم نسجلها بالصوت والصورة.
والمرأة في كثير من البيوت مستشارة وخبيرة اقتصاد بالنسبة لأولادها وعن طريق "الجمعيات" ا لتي يتم من خلالها تدوير مبلغ مالي شهرياً عبر عدد معين من النساء يمكن أن تبتاع لمنزلها أشياء قيّمة ويمكن أيضاً أن تجهز أبنها العريس أو تحيي سكون المنزل "بفزعة" مالية تخرج الرجل من كهف الدين والضيق الذي كان يعانيه.
لعلي تذكرت أن هذه المسألة تسمى "الهكبة" في مجتمعنا اليمني، وهذا لا يعني أن هناك مصدر دخل ثابت وكاف لمتطلبات الأسرة، بل إن ذلك يعني أن هناك امرأة مدبرة ومتقشفة تضطر للاحتفاظ بجزء من دخل الأسرة لساعات الضرورة القصوى.
المرأة اليمنية تبخل على نفسها ببعض أنواع الفواكه أسبوعياً على الأقل بينما تجد الرجال من هؤلاء يحتسي مختلف أنواع العصائر أمام البوفيات ويسير باتجاه بائع الذرة ليتسلى بواحدة على الطريق وقد ينتهي الأمر بحفنة مكسرات حتى يصل إلى باب داره ليُلقي أوامره الصارمة ويستمتع بغداء لذيذ ويحصل على قيلولة هنية دون أن يؤلمه ضميره تجاه المسكينة التي لم تحصل من الصباح على حاجتها الضرورية من الفيتامينات، ومع هذا تصمت وتحتسب، بل وتجد له الأعذار المناسبة، وتجده زوجاً مثالياً إذا اقتطع لها من منديل القات ما تتسلى به لحين عودته مساءً.
المرأة في اليمن محجوبة لحين الإعلان عن ديمقراطية إسلامية حقيقة، لأن القرآن والسنة كانا قد كفلا حقها بامتياز، لكن القوانين المستوردة والأنظمة المخللة في زجاجات مجتمعات أخرى تفهم معناها وتستشف حدودها، تلك القوانين والأنظمة ظلمت المرأة وقهرتها وكشفت من كيانها الفكري والجسدي والعاطفي ما لا يجب أن يكشف ثم تسترت عليها كإنسانة صاحبة حق يجب أن يعطى.
الجهل والذكورة وصمت المرأة نفسها جعل من هذا الكيان الرقيق الجميل هدفاً للمساومة الرخيصة والاستعراض الفحولي الفاشل والمقزز والعبودية في بعض الأحيان، وفي خضم ذلك نسيت المرأة أنوثتها، فاخشوشنت وارتدت عباءة ذكورية قبيحة لتستطيع أن تعيش فقط، جلست إلى نساء من القرى والمدن بحكم عملي كأخصائية اجتماعية واكتشفت أن داخل كل امرأة يمنية أنثى طاغية حرمتها العادات والتقاليد والأعراف وصعوبة العيش وأولويات الحياة من الإعلان عن نفسها بحرية كاملة يملؤها الشرف ويحفها الحياة.
إنها تخجل من جسدها الذي لم تشجعها والدتها على صقله في مجتمع لا يشجع الرياضة، لكنه يشجع تعدد الزوجات، تخجل من تعرية مشاعرها أمام زوجها في ظل ثقافة العيب الجائرة، تخجل أن تدلي باقتراحاتها في مجتمع يلجم الأفواه ويبقي كهوف الجسد غير الناطقة بلا لجام.
هذه هي المرأة في اليمن وإن بدأت طفرة النساء المثقفات تظهر على السطح، لكنهن وبكل أسف أول الجناة الذين قتلوا كيان الأخريات من النساء، لأنهن كشفن عن رؤوسهن فقط ولم يحاولن كشف عقولهن المقبولة بأفكار الغرب، وإذا بقيت النظرة إلى التعليم كما هي ستبقى هذه المرأة هي، فمتى يكون للتعليم في بلادنا أثر ومعنى وقضية؟! متى يستطيع التغيير؟!.
في الحقيقة إذا بقيت الخبازات والعصادات هن ملكات الثقافة، والرجال الجائعون هم أعضاء لجان التحكيم، فعلى المرأة اليمنية ألف سلام.
ألطاف الأهدل
وراء كل امرأة خبّازة رجل جائع! 2566