وقفت حائرة ومندهشة كسواي من الناس داخل أحد باصات الأجرة ونحن نشهد سقوط امرأة اغتالتها رصاصة عمياء سكنت رأسها وأوقعتها على الأرض وهي التي لا زالت قبل دقائق معدودة تسير على حافة الطريق في مسيرة شبابية سلمية تحمل أحلامها بين يديها وكلها أملٌ أن يعود الوطن كما كان آمناً في ظل قيادة حكيمة ترعى الشباب وتحمي الصغار وتضع وزناً لشعبها الصابر على جوعه وفقره وجهله وانحناء هامته بين الشعوب لكنها رحلت بسرعة، لم تمهلها الأيام حتى ترى يمناً جديداً، لم ينتظر القدر ليأخذ بيدها إلى منصة الحرية ويلقنها نشيد الصمود وهي تقف شامخة كالجبل، لم تنتظر لتسير خلف جنازة الذُل والخوف والاستعباد، لم تصفق بشغف كالأطفال حين تشرق الشمس ويبزغ الأمل.. ماتت كقطةٍ على رصيف، قنصتها بندقية صياد حاقد، هل أصبح البشر بلا نخوة ولا حمية إلى هذا الحد؟، حين ماتت لديهم الوطنية قرأنا عليهم بأم الكتاب وكان ما كان..
لكن ماذا نقرأ عليهم اليوم وهم يعتدون على النساء؟، هل أصبحت المرأة خطراً يهدد النظام؟، هل أصبحت معوقة للتنمية؟، هل هي ذلك الصوت النشاز الذي أفسد سيمفونية الحكومة النائمة في أحضان القبيلة؟ ما كان ذنب هذه لتموت كالشاة؟ تلك التي عاشت عفيفة تربأ أن ترعى مع همل الرجال وشوائبهم، حملتها أكفهم اليوم في صورة أفزعتني وتمنيت أن يأتي عزرائيل دون رصاص ليحمل أمانته قبل أن أصل وسواي من النساء إلى حالها.. ماتت وهي تصرخ: "سلمية، سلمية.." لكن يبدو أن لا مكان للسلام بين البشر حين يكون راعيهم العنف ووجهتهم المصلحة وهدفهم البقاء للأقوى وليس للأصلح.. انقسمنا في المواطنة، عبثت بنا خيوط الحزبية، تجزأنا حتى في أيديولوجيتنا واستخدمنا الدين ليبرر قسوتنا وموت ضمائرنا، كلٌ منا سوق لمعتقده، كلٌ منا اعتنق رأيه وتمسك بقناعته وقائل ليثبت صحة رأيه، فما السبيل لنتفق بعد أن مزقتنا سيوف الاختلاف؟ لا أزال في حالة ذعر وأنا أراها تحط على الأرض كطائر لم يحتويه الفضاء، سحقاً لكل من حمل السلاح ليرهب الناس ويطوي حياتهم كطي السجل، تباً لمن يبذر العنف ويحصد الكراهية، من هم هؤلاء؟ هل هم مستقدمون أم أنهم من أبناء هذا الوطن؟ أيعقل أن يكون بيتنا من بضاعته الإرهاب ورأس ماله الهلع؟، هل هي رسالة لتبقى المرأة خارج حدود الثورة كما بقيت لعقودٍ طويلة خارج أسوار الإنسانية؟ لكنها رسالة قذرة مغلفة بالدم والحقد والبطش والضغينة وستبقى روح تلك المرأة معلقة حول عنق قاتلها حتى تقتله وكذلك كل قاتل يستخف بأرواح البشر ويلوث كيان المجتمعات بنتانة عبوديته وانسياقه خلف سيده ككلبٍ شريد.
ماذا أقول؟ هل أشد الحزام حول خاصرة المفردات وأعلن الصمود؟ أم أجرّ أذيال انكساراتي وأسكن كهوف معاناتي وأتوارى كمفردةٍ تحملها الريح إلى لا عودة؟ بماذا أسمي ذلك الدفق المضمخ بالعتو؟ كيف أنسى ما حييت ذلك الشيء الحالك الذي سقط بين الرجال كنيزك منطفئ فرقهم بذهول ثم جمعهم حولها بجنون؟ كيف أمسح عن جدار عيني صورتها كثائرة لو أنها وجدت منزلاً ومهنة وبعض الحب ما خرجت لتهتف بالرحيل.. ما أسرع ما انقلبت المعادلة.. تهتف بالرحيل ثم ترحل هي قبل الجميع!.. في أي زنزانة نعيش نحن؟ في أي سجن ألقتنا الديمقراطية التي حبست أنفسنا وجرعتنا الصمت حتى نسينا الكلام؟..
ليتها تغشاكِ كل الرحمات أيتها الهاتفة باسم الحرية.
ألطاف الأهدل
تُرى.. ما كان ذنبها؟! 2120