من أين أبدأ قصتك يا جملية الجميلات؟ من قاهرة العز؟! من قاع المظفر؟! من على جبل صبر؟! من أي أبواب خاصرتك الج إلى قلبك؟! من باب موسى؟! من الباب الكبير؟! كيف أبدأ التسكع عبر شوارعك وقد فرضت على أرصفتها كل تلك الثكنات؟! كيف اختال عبر أزقتك وعلى ساحاتك كطاووس وقد أصبحت من خوفي بلا خلفية مزركشة بالفخر والفتنة؟! من أين أصل إلى "مسبحك" "عقبتك" "حوضك" وإلى "شارع جمال"، وقد أوصد أبوابك بعض من هؤلاء أو أولئك؟! يا مدينة الرجال التي تحفها الجبال والتلال، كيف أبدأ المقال؟! يا حبيبتي وكل أيامي الخوال، أنت يا عزيزة المدائن، يا زهرة التاريخ يا روعة الجنائن، يا عصية السقوط يا خنجراً في ظهر كل خائن! من أين أبدأ المقال وحول أحرفي ألف حارس يستنطق الجواب والسؤال، آه يا مدينتيٍ، يا باقة الوجود يا مآل كل ضال، يا كتيبة الكفاح يا معسكر النضال ووصلها مُحال؟! آه يا بعضي ويامن لأجلها أصبحت أجسادنا معقلاً لثورة عُضال!.. تعز يا صغيرتي يا من أصبحت تبابك قلاعاً، وتلالك حصوناً، ومدارس الأطفال أعيناً لا تغطيها، يا غصننا النقي ويا حمامة السلام، يا لحن أمنياتنا، ويا قصيدة الكلام.
تعز.. يا بيتنا الجميل، يا من هواك سر صمتنا الطويل، يا حبيبتي.. لا شيء مستحيل.. حين تلقى ما تريد، هنا تعز مدينة الأسواق والقباب والمنازل القديمة، ومهد الباحثين عن بلدةٍ أثيرة بلا مآذن عقيمة!.
هنا تعز مدينة المليون عاثر، والمليون ثائر، والمليون صابر، محطة المليون راحل والمليون عابر، تعز يا مدينة المشاعر، يا قبلة لكل كاتب وشاعر، هنا تعز مدينة الريحان والمشاقر، ماذا أقول في مدينة عشقتها ومثلي كثيرون يعشقونها برغم كل غصة تقتل الحناجر، هنا تعز مدينة البشائر، مهما بدت حاراتها مقابر، فوراء كل موكب حكاية ودون كل موفدٍ سرائر! الكل يبدأ التلويح للحوار وينتهي كما انتهت من قبله الوفود والزوار، من يستطيع أن يوقف القطار؟! من يستطيع أن يغير المسار؟! لأجل هذا في تعز لا يهدأ الثوار، ولأجل هذا في تعز لن ينتهي المشوار! تعز مدينة الصمود، واليوم كل ماضيها يعود، شموخها، إباؤها، وصبرها الجميل زُقاقها العتي، رصيفها.. محالُها.. هواؤها العليل، كلُّ ما فيها جميل، كلَّ مافيها جميل.. هنا تعز لا شيء يخبو مثلما يخبو اللهب، لا شيء يعرف الأفول كما تأفل الشهب، وكل شيء ينتهي يعود.. كما تعود الأعياد عيداً بعد عيد، هنا مدينتي، بيتي ومئذنتي، خبزُ أمي، وحلوى جدتي، هنا يردد الجميع... وحدتي.. وحدتي..