كنت أبحث بين كفيك عن إجابة تمسحُ صدر ظنوني وتربت على خافقي وتدفئ بين راحتيها زمهرير شجوني ولكنني أخفقت حين ظننت أن الحب يُجب ما قبله! تلك العينان اللامعتان على ضفة وجهك أنساني أن الطريق إلى المحيط أقصر بكثير من طريق تسلكه امرأة عاثرة لتصل إلى قلب رجل عاثرٍ مثلها تماماً..
أنا لم أعد أجيد قراءة الأفق كما كنت أفعل حين منحتني عيناك، لم يعد بمقدوري أن أتلاشى في بعضي كالسريان كما كنت أفعل حين أسكنتني صدرك، ما عدتُ أحتمل البقاء في الظل كما اعتدت حين ذقت حلاوة السكوت تحت جناحك، أنا ما عدتُ أنا التي أعرفها حين رصفت الطريق بين قلبي وقلبك بأحجار الصمت وجعلتني أبدو كبائعة الحب على شاطئ الهوى! أسيرةٌ أصبحتُ بعد أن خضت معارك الخوف والحلم واللذة والنوى.. فقدت أسلحتي حين قيدت معصميَّ بهجرك، أنا لا أطيق الوقوف خلف النوافذ مثلك، لا أحتمل انتظار الهبوب لأحلق مع ذرات الرمال بعد، أنا امرأة من طراز آخر، ذلك الطراز المعتق الذي يسكن الجدران ويتدلّى كثُريا قديمة وينتصبُ كشمعدان أثري نحت التاريخ على جنبيه نقوش الضوء والعتمة، أنا امرأة من زمن الأساطير لكن لستُ عنقاء وليس لي أجنحة، أبوابُ قلبي كانت موصدةً حتى أكل أقفالها الصدأ ثم جئت أنت لتتسلل عبر وردتي مخترقاً محبرة صمتي واحالتني قصاصاتٍ بين يديك بلون الأثير وملمس السراب ونكهة المستحيل ومذاق العناب الطويل! كم كنتُ أحلمُ أن الملم حولك الأزهار واسكبُ على معصميك ماء الورد وأخفيك خلف دخان العود وأروّض حواسك كي تصبح وليفاً أليفا لا يبعثرني حين تنضح عيناهُ بالرجولة!.. كنتُ عابرة سبيلٍ حين رأيتك لأول مرّةٍ على الطريق تقتفي أثر المعاني كما اقتفيها، تحاور أخاديد التاريخ وتناورُ حدود الجغرافيا، تتسلق عبر سلّم الليل إلى سقف السماء كل مساءٍ لتسامر القمر! تصبحُ عاصفةً وتمسي موجة، تطوف حول أصابع الأيام وتبسط خيمتك وكأني أسمع صدى صوتي يتردد في بهو صومعتك وحيدةً من نفسي ومنك، ماذا سقتك الأيام لتعيش لصيقاً بها وكأنك ورقة تاريخ ذابلة؟! أشعر بالخوف يلوي ذراعي حين أكاد أصدق أنك مني وفيني، لا وقت لإنجاز معضلة جديدة! أنا فقدت سجيتي حين غسلت أنت نواياك بماء اللامبالاة وبطرف مسامع العذّال بأغنية الهجر التي صاغتها مواقفك..
لكن الراقصين والراقصات حولك لا يستطيعون البقاء واقفين على قدم واحدة! ولهذا ربما آثرتُ يوماً أن أطعم ذاكرتي بفتات لحظات غابرة على أن ألقاك شظية تشوه مساحة قناعتي وتقوّض بنيان اعتقادي بك، وحتى لا تبقى مغامراتك حولي مجرد ندبة صغيرة فأنا أتجمل بمساحيق سحرية يمكن أن تلغي كل ما يقف في طريقها من شوائب!.
كنت أحاول الوصول إلى قناعة الاحتضار تحت الطاولة ولكن وبعد أن أيقنت أن الطيور تموت محلّقة لملمت تابوتي بالسكينة واخترتُ أن أموت واقفة..
× لو أن لي مثل الطيور
عشّا على إحدى الشجر
لكنتُ آثرتُ السماء
على البقاء في الحُفر!