اليوم ورغم وصول الثورة المصرية إلى مشارف انتزاع القرار السياسي من منبر النظام إلى منبر الشعب، إلا أنها تعاني من أكثر مساراتها اختناقاً نحو الوصول إلى الحرية العادلة التي تمنح الإنسان ما يستحق دون عناء البحث عن إنسانيته، وهاهي تصل إلى مرحلة الاقتراع الذي يشكل الخطوة الأولى نحو الوصول إلى المنصة قبل الجلوس إلى حضرة الدولة المدنية الجديدة التي صنعها الشباب بإصرار حضاري متمكن قد تعجز تيارات شبابية أخرى عن تحقيقه في غير ذات المكان والزمان.
وبالرغم من تلك العقبات السياسية والإيديولوجية التي وقفت بقوة على ساحات التحرير هناك، إلا أن الإصرار على الوصول إلى الهدف ربما كان أقوى من أي شيء يمكن أن يكون حائلاً دون تحقيقه.
ومن المؤكد أن هذه العقبات أو سواها ستستمر في الظهور بنسب معينة وفق احتياجات المرحلة وإحداثياتها المستقلة أو الإسلامية أو تلك التي تبحث بين الأطلال عن بقايا نظام سابق لا تزال آثاره قائمة رغماً عن الواقع الذي يحاول مسح الحقائق بيدين ملطختين باللامسؤولية.
وإذا نجحت ثورة مصر وفق مقاييس الثورات، فلابد أن تنجح بعدها ثورة اليمن لدى بعض المحللين والسؤال: لماذا جعلت ثورة مصر مثالاً يحتذى به بالنسبة لما تحمله من مفاجآت على مستوى الشارع؟! أو بمعنى أكثر وضوحاً: لماذا يحمل الشارع المصري كل هذه الديناميكية بين صفوف الثوار؟! ولماذا يتم تكرير وقود الثورة بهذا الإصرار من قبل أبنائها؟! باختصار ثورة مصر لم تقم كمشهد تراجيدي يحاكي ثورات أخرى تختلف ركائزها ومقوماتها تماماً عن ثورته، بل كانت نابعة من أعماق مجتمع يطلب الحياة كما يريدها هو.
في اليمن حدثت محاكاة لثورة، أفرزت ثورة عظمية في بدايتها ونريدها أن تكون أعظم في نهايتها، إذ لا يسمح الوقت اليوم بتمييع أطراف القضية وتهميش جوهرها أو العكس من ذلك، بل إن حركة إسعافية سريعة يجب أن تتم من أجل تضميد هذا الجرح الذي طال نزفه وأصبح معرضاً للتلوث ولا نريد له أن يصل درجة الاستئصال، فالجسد اليمني واحد وسيبقى كذلك إلى أن يشاء الله له.
اليوم نشهد مماطلة واضحة من قبل بقايا النظام في صنع آلية التنفيذ لإقرار المرحلة القادمة من مبادرة الخليج الرامية لرأب الصدع وإعادة لم الشمل، فلماذا هذه المماطلة؟! ولماذا لا يتم إيقاف العمليات المسلحة احتراماً للإنسانية؟! لماذا يستمر نزف تعز؟! وإذا كانت السيطرة قائمة على شريان تعز "شارع جمال"، فلماذا يتم التآمر لقطع وريدها أيضاً "وادي القاضي".. لماذا أصبحنا نفكر بعقلية يهودية تجاه بعضنا البعض؟! من المفترض وبعد كل ما حدث أن يعود الجميع لجادة الصواب وأن تكون هناك وقفة مواطنة حقيقية، نقية من شوائب التبعية والانطواء تحت جناح التعصب الأعمى والخروج غير المشرف عن حدود القضية الأم، قضية الوطن.
مصر كنموذج حي على قيام الثورات الديمقراطية وتداعياتها السياسية والاجتماعية والدينية يجب أن يبقى نصب أعين الجميع حتى نتفادى الوقوع فيما وقعت فيه ثورتها الشبابية، وثورتنا في اليمن ثورة سلمية أبهرت العالم بسلميتها وهكذا نريدها أن تستمر حتى النصر.