لدينا معشر العرب حالة استنفار ذاتية لكل ما يمكن أن يطرأ على حياتنا أو حياة ممن يعيشون حولنا، سواءً كانوا قريبين من عقولنا أو من قلوبنا، لدينا حالة رفض دائمة للواقع ومع هذا فنحن أكثر الأقوام تقليداً وتبعية لمن حولنا من الأمم والتناقض الذي نعانيه لم يأت من مساحة الفراغ التي نعانيها عاطفياً وعقلياً بعد أن مالت عقيدة الحكم والإنصاف فينا كل الميل، بل إن سبب هذا التناقض في الأمر هو الفراغ الوظيفي والذي يظهر جلياً في أدائنا المهني على مختلف نواحيه الفكرية أو المادية.
ولأننا لم ندع للإبداع مكاناً فارغاً أو مساحة كافية للظهور، فنحن نكاد نرسم بأيدينا لوحة البطالة الثقافية بكل ألوانها وأشكالها، مهما بدونا أصحاب أوسمة تاريخية حضارية لها ثقلها مكاناً وزماناً.
ومع هذا فأولئك جيل ونحن جيل آخر تماماً، نحن جيل نخلط بين قرائن التاريخ وتهم الجغرافيا على قاعدة استيطان سياسي سطحي جداً حوّل مسار الديموقراطيات إلى ديموكتاتوريات عظمى، وشرّع لوجود نُخب حاكمة عسكرياً وهي لا تستطيع استخدام السلاح، وأخرى تحكم بسلطة التشريع وهي لا تستطيع سن القوانين المستقلة عن أطماعها الشخصية، وثالثة ترقص على أنغام الراديكالية وهي لا تملك عموداً فقيراً يحمل هيكلها الاجتماعي!
والمهم أننا تحولنا إلى مجتمع "شوربة"، بعضنا يحمل شيئاً زهيداً من الفكر المتشظي والآخر يغني على أنقاض ماضيه، وآخرون يواجهون رياح التغيير عارين من الحصافة، وكثيرون يدبّون على وجه الأرض باحثين عن شقوق تؤوي أجسادهم المثخنة بجراح الجوع والحرمان، ليس لنا مساء، فقدنا الطريق، ما عادت خطة الاتجاهات الأربعة كافية بعد أن أصبح لدينا عقلية أخطبوطية ثائر، خارطة الطريق أصبحت حلماً بعيداً وكلنا ينشد الوصول وهو مكتوف اليدين، إلى اليوم، لم نتعلم كيف نسير صفاً واحداً، ونبني مستقبلاً واحداً، ونقاتل عدواً واحداً!
تصوروا حتى عدونا اللدود هناك من يصافحه باليمن وهناك من يلعق يده اليسرى! حتى نفطنا ومنشآتنا الإستراتيجية وانجازاتنا الفكرية ووثائقنا التنموية وكل ماله علاقة بحضارتنا الحديثة.. كل هذا ليس له أبٌ شرعي ينسبهُ إلى عروقنا النازفة وأوردتنا المتقطعة عطشاً للاستقرار والاستقلال التاريخي والجغرافي عن الوصاية الخارجية ومن يدعم وجودها من داخل أوطاننا في الـ"شوربة" يمتزج الطعم وتتحد النكهات، ولهذا فالـ"شوربة" من ألذ الأطباق التي يمكن أن نتناولها على موائدنا الفقيرة برفاهية الطعم واللون، هذا الامتزاج في الطعم والتزاوج في ألوان الخضار يصنع طعماً جديداً ومختلفاً عن ذلك الذي يمكن أن نجربه في كل مكونات الـ"شوربة" لكن لكل صنفٍ على حده، تماماً وبنفس الطريقة يمكن أن نصل في حياتنا إلى طعم للسياسة مختلف ومميز لو أننا دمجنا روزنامة الدين والمجتمع والسياسة واقتصاد الأمة وثقافاتها المتنوعة، إنما ما حدث هو أننا فقط رفعنا راية السياسية وسخرنا مؤسسات الدولة لخدمتها وأصبحت لها راية باطل ترفعها سارية حق.. تخيلوا معي "شوربة" كوسة أو جزر أو عدس فقط.. هل سيكون لها المذاق نفسه لـ"شوربة" عدس مع كل أنواع الخضار التي تتخيلونها؟!.
حتى السياسة بحاجة إلى وزن ونفس ونظافة وتتبيل مثلها مثل الطهي تماماً!.
ألطاف الأهدل
شوربة عدس! 1899