نصل في معارك الحياة أحياناً إلى قناعة كاملة بالانحساب، ليس ضعفاً ولا جبناً ولا تقهقراً، وإنما لأننا قد ندرك أننا فقدنا الإحساس بأهمية الهدف بعد أن فقدنا أهم الوسائل من أجل تحقيق الوصول إليه، فقدنا قناعتنا بالحدث، إيماناً بالقضية، ولهذا ننسحب.
لكن هذا الانسحاب لا يكون قراراً نهائياً ولا يمكن أن يكون كذلك، بل هو فرصة استعداد أخرى لجولة جديدة وربما أخيرة من أجل الفوز بالمعركة وكسب الرهان.. ومن الجيد أن نعلم إذا كان الأمر يستحق أن تقوم لأجله معركة أو لا يستحق.. إذ أن الفوز والخسارة قد يعنيا شيئاً واحداً أمام عشوائية القرار أو ازدواجيته أو أحاديته.
اليوم نقف جميعاً أمام واقع جديد لا يشبه بتاتاً ذلك الواقع الذي كنا نعيشه قبل فبراير الماضي، نحن أمام مستقبل لا معالم واضحة تساعدنا على قراءته ولا رؤية موحدة تجمع تطلعاتنا نحوه، مستقبل فرضته علينا ثلة فاسدة متشبثة بالحكم، وبالرغم من ذلك فإن من الواجب علينا أن نعيد النظر في برمجة واقعنا كما هو، انقسام، بنية تحتية محطمة، نسيج اجتماعي متشقق، وحالة اقتصادية متردية، النجاح لن يكون برفع شعارات أكثر وأقوى مما سبق، ولن يكون بتقديم المزيد من الشهداء، إذ أن مقاييس الموت والحياة بحد ذاتها أصبحت مطهوة على نار السياسة.
إنما يكون النجاح الحقيقي بدراسة الواقع وجمع الخطط وتوجيه البرامج وفرض الشراكة الإيجابية على الجميع من مختلف أطياف المشهد السياسي والمشهود لهم بالنزاهة، لقد انتهت فترة الشعارات وبدأت اليوم فترة إنجاز تلك الشعارات.
ألم نقل إننا نريد الحرية؟! إذاً علينا أن نتحرر من قيود الجهل والفساد والمحسوبية واللامبالاة، يجب أن نفرض حقنا في الحياة الكريمة عن طريق تغيير نوايانا وسلوكياتنا وأولويات حياتنا، لو أننا فقط أخلصنا في تقديم رسائلنا التعليمية والطبية والمهنية والثقافية والدينية والسياسية، لكان الحال اليوم غير الحال، لكننا وبكل أسف حشرنا أنف السياسة في كل شيء وهاهي اليوم تحصد كل شيء زرعته فينا.
علينا أن نمجد فكرة العمل ونأصل لقيام وطن حديث وشامل ومختلف حتى وإن بدأنا بإمكانيات بسيطة، إلا أن الفكرة أعمق والتطلع لتنفيذها قد يأخذ مدى بعيداً بالنظر إلى ظروف الواقع من كافة جوانبه.
يجب أن ننسى الانتقام والعنف ونظرة التعصب الضيقة التي أوغل فيها النظام، ونشمر على سواعد الحضارة والميراث الديني والثقافي والتاريخي والقبلي الأصيل، ونصنع لأنفسنا تاريخاً متفرداً، سلمياً، نقياً من شوائب القمع والقتل وحمل أرواح البشر على الأعناق إلى يوم القيامة، ولا تحملوا أنفسكم أيها الشباب الفتي في ساحات الوطن، لا تحملوا أنفسكم أوزار القوم وضعوا خططاً تنموية جديدة تشهد على رجاحة عقولكم وسلامة نواياكم ورغبتكم في التغيير إلى الأفضل، كونوا حزباً شبابياً واحداً وسنكون إلى صفكم نصلّي وإياكم فرض الولاء والطاعة لهذا الوطن العظيم.
نعم، لم تنته الثورة بعد، ولم تغلق ملفات الوطن، ولم تحقن الدماء حتى اللحظة، لكن ما حدث كان إنجازاً عملاقاً مقارنة بالذي كان سيحدث لو أننا تركنا حبل الأمر على غاربه.. استقطعوا من كتاب التاريخ فصلاً يشهد لكم ويحمي ثورتكم بأن تبدأوا فوراً بناء يمن جديد، إذ يكفي ما شربناه من المرارة والألم من هذا النظام الفاسد.
ألطاف الأهدل
الانسحاب طيّب 2296