يصبح لكل متطفل أعين لا حصر لها، ولكل وقح ألسن لا خطام يلجمها، ولكل لص آذان صاغية لصوت الصمت بعد أن تنام الرعية، حين يصمت الملوك يتحدث الجبابرة وأصحاب الفتاوى الحائرة والهوام والعوام وغثاء البشر والهمل من الناس، لأن للسلطان ولاية لا تقف عند حد الحكم والتشريع وإدارة مصالح الشعب، إنها تتعدى ذلك إلى إخراج المنافع من أصولها والبحث عن منابعها وتحسين مدخولها بما يعود على رفاهية الشعب واستقراره.
بل إن من حق الرعية على الراعي أن يوفر لها حرية التخطيط واستيعاب معطيات الواقع وتصنيفها كثروات، للشعب كل الحق في الحصول على نصيبه الوافي منها.
الشعوب تستطيع أن تحكم نفسها اليوم بعد أن تلاشى حاجز الرهبة بين الحاكم والمحكوم وبعد أن سقطت الأصنام أرضاً ولم يلوث حطامها شوارع الإرادة.
من حق كل فرد من الشعب اليوم أن يحكم، لأن الحاكم الجديد ببساطة أصبح يسكن الخيام، فالقصور لا تعني له شيئاً أبداً، والمواكب الرسمية التي كانت تجوب شوارع المدن الرسمية في ساعات مشفرة استعاض عنها الحاكم بمسيرات خالية من الـ"بادي جارد"، بل إن هذا الحاكم الجديد قد اختار أن يقود المسيرة بصدر عارٍ تماماً من أي حماية ضد الرصاص أو حتى أوراق الورد التي تلقيها الفتيات على موكب السيارات الفارهة.
حين صمت الملوك منذ خمسين عاماً مضيت، ميلاً منهم عن الصواب، وتثاقلاً إلى أرض القرار الدنيوي أصبح من حق الغوغاء أن تتحدث كل لغات التعسف والتضليل ضد الرعية، انشغل الملوك ووجدت الذئاب فرصتها للانقضاض على الفريسة، لكن الذئاب كانت مراوغة والفريسة ذات فطرة عصية على الوقوع في شراك الباطل.
خمسون عاماً مضت والرعية بين كر وفر مع ذئاب غادرة استوردها الملوك لتكون عوناً لهم على شعوبهم ومرت الأيام فتحولت الذئاب إلى محضيات على بلاط الملوك، فكانت الأحزاب هي الابن غير الشرعي لتلك العلاقة الشائنة خلف كواليس الحكم.
خمسون عاماً مضت وحكامنا يرفلون بثياب الغرب ويحتسون كأس الديمقراطيات الكاذبة وهناك تحت قصورهم تنتصب سراديب الظلم بقصابيها وجلاديها وسجانيها دون أن يشعر بها أحد، لكن دائرة الظلم لابد أن تضيق حتى تنفرج وهذا ما حدث اليوم في ثورات هادرة كالسيل لن تعرض التوقف حتى يعود الملوك ملوكاً كما عرفهم التاريخ، وبالرغم من ذلك يبقى القرآن هو الحق حين قال تعالى عن هؤلاء على لسان ملكتنا المرأة الحكيمة: "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون" النمل (34)، إذ يبدو أن الملوك سواء عليهم أصمتوا أم نطقوا لا يعدلون.. لا يعدلون.
ومع هذا لابد أن نذكر أن سلطة الراعي لها حيزها في فراغ الحكم والأمر والنهي، إذ لا يستقيم الظل والعود أعوج، وإنما تسلم الأجساد بسلامة الأدمغة، والحكام أدمغة الشعوب التي كان يجب أن تكون عاقلة.
قد نتناقض في فهم كل شيء يدور حولنا، لكننا لا نسيء أبداً فهم أنفسنا وهذا هو المهم في الأمر.
ألطاف الأهدل
حين يصمت الملوك 1983