لأول مرة منذ أن فتحت أبواب التعبير عن رأيي في ما يحدث في الوطن أحب أن أكتب بالعامية وأعيش كأي امرأة أو رجل أو طفل يجوب شوارع المدنية منذ الصباح وحتى المساء، باحثاً عن من يناصره ويشاطره الهم ويشعره بإنسانيته وحاجته الماسة للحياة بكرامة وحرية فكر ورأي وسلامة عقيدة وصفاء نية ورغد عيش ولا أقصد برغد العيش البذخ والترف والغنى الفاحش، لأني شخصياً أرى أن أهم ما في الحياة الأمان والتوسط والألفة الاجتماعية وتوافق العقائد وتوحد الغايات.
يا جماعة تعبنا من الانتظار، مللنا من الاستماع لنشرات الأخبار، رغبة في سماع خبر جديد يبعث الأمل في نفوسنا، سئمنا البحث عن ضمير حيّ يشعر بإنسانيتنا وأننا بشر من لحم ودم، هؤلاء الثائرون في الساحات ألا يحلمون بمنازل نظيفة وفرص عمل جيدة وزوجة يستطيعون تلبية متطلباتها بدون اللجوء لقوائم الديون ومبادرات القبيلة التي يفتعلها بعض القضاة والشهود عمداً "لتخفيض" سعر المرأة "مهرها".
ألا يحلم هؤلاء بأن يتناولوا ما يشتهون من أصناف الطعام بدلاً من هذا الجفاف الغذائي الذي أفسد أمعاء الناس وأمزجتهم وهم يكتفون بالخبز والـ"بسباس" والبطاطا؟!.
يا الله ألا ترون مثلي أن البطاطا في اليمن هي لحم الفقراء؟! ومع هذا لا تسلم من موجات الغلاء حتى يصل سعر السلة إلى "7000" ريال.. الديزل يهرّب إلى خارج الوطن، الفواكه تصدر إلى دول الجوار وكأن هذا الشعب لا يستحق أن يعود كل ليلة إلى منزله محملاً بشتى أنواع الفاكهة البلدي لأطفاله الصغار.
ألا يتمنى هؤلاء أن يرتدوا من الثياب من يجملهم في أعين أنفسهم وأعين الناس؟! لماذا فرض على هؤلاء أن يرتدوا الرديء من الثياب؟! والفتات من الطعام؟! وأن يعيشوا في منازل كجحور الفئران؟!.. ألا يحق لهؤلاء أن ينتفضوا ويثوروا كما تثور البراكين؟!.
يا جماعة الظلم أبشع جريمة تعاني منها المجتمعات ولو أن الجميع يأخذ فرصة للتفكير قبل أن يبطش ويفتك ويضرب بالنار وللعلم فإن هؤلاء ثاروا جوعاً وعرياً وضيقاً وضنكاً، لأنه من غير المعقول أن يسعى جميعهم ليكون القصر الجمهوري بيته والحرس الخاص حاشيته.. هؤلاء لا يسعون إلا للحصول على الاستقرار ولو أن نظاماً حكيماً حاول الاستجابة لمطالبهم بدون استخدام القوة والتلويح بالعنف وخلط أوراق القضية بالتبعية، والقبلية بالمذهبية، والسياسية بالدينية، المسألة لم تكن بحاجة إلى كل هذا يا جماعة.
حياة كريمة.. حياة كريمة.. كانت ستفي بالغرض وتهدئ الوضع، الحياة في اليمن متشابكة جداً ولا تحتاج لـ"مقص" لأجل فك التشابك، بل هو بحاجة إلى بصيرة قوية وأيدي ذكية تستطيع أن تخرج من متاهة الفوضى بأقل الخسائر وفي تقدير زمني بسيط جداً بمقياس عقارب التاريخ.
أصبحت وسواي كثيرون نعيش حالة من الخواء وقلة الثقة بكل بادرة أمل تروح صباحاً وتختفي مساءً، مع كل قرار تصحبه مواكب وتحطيه تقارير وتحفه مخاوف من الداخل والخارج، فقد فقدنا الجرأة على قول الحقيقة، بل فقدنا الجرأة على استيعابها، ليس لأنها قاسية، بل لأننا نحن القساة.. نعم، أصبحنا قساة في مشاعرنا، طغاة في فكرنا، جبابرة في فهمنا لقضايانا، بالرغم من أن اللحظات العصيبة هذه تحتاج إلى مشاعر التراحم والألفة والالتحام والتشابك بالرأي لا بالأيادي والأسلحة.
كنت قد قلت في بداية المقال إنني أريد أن أكتب مقالي بالعامية، لكنني فشلت في ذلك وأنا أبحث عن رائحة الورد من فوهة بندقية.. فاعتذر إن كنت قد خذلت من أرادوني أن أتحدث بلسانهم ولم أستطع ذلك..
ألطاف الأهدل
هل مللتم كما مللت؟! 2095