نسرف كثيراً في التعامل مع الدواء كصديقٍ في وقت الضيق، غير أن الكثير من الأدوية تبقى عدوة لدودة للإنسان دون أن يشعر هو بقدر تلك العدواة التي ترديه قتيلاً على حين غرة، لكنه لا يرى جرحاً في استخدام المسكنات والمضادات الحيوية وأنواع كثيرة من الأدوية التي لها سلطانها في إيقاف الأعراض المؤلمة أو المزعجة للإنسان، لكن أغلبنا لا يعلم أن ما يوقف الأمل يمكن أن يدفعه للظهور من جديد بل وبشكل أشرس وأخطر على صحة الإنسان بشكل عام، بعض الأدوية المسكنة تعمل بطريقة العميل المزدوج لأنها تخون الإنسان حين تشعره بأنه خارج نطاق المرض تماماً والحقيقة أنها تمنح الألم فرصة أقوى للظهور بشكل آخر قد لا تفيد معه الأدوية حينئذْ، بل هي تمنح بعض الأمراض فرصة أكبر للاستشراء والتحوصل في مناطق الجسم النائية إلى حين! دائماً نقول إن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم وهذا التكتيك يفيد كثيراً في الدفاع عن الجسد ضد الأمراض لأن أفضل ما يمكن عمله إزاء الألم الذي يمكن تحمله أن نتحمله بشحاعة ونترك استخدام المسكنات والمهدئات والمنومات التي تخدر كافة أعضاء الجسد بما فيه الألم، إذاً إن قرص الدواء بل هو يعمل على تخدير كافة الأجهزة التي عن طريقها يشعر الإنسان بالألم.
من المفترض أن يكون للأجهزة الرقابية حق منع صرف الأدوية المسكنة ذائعة الصيت بدون وصفة طبية، لكن يبدو أنها تشرف فقط على صرف التساهيل الممكنة لترويح تجارة الأدوية مقابل بعض الاستحقاقات الساقطة في وحل للامسؤولية والاإنسانية التي انتشرت بدوها في مجتمعاتنا الإدارية كالمرض العضال ولكنها بكل أسف غير قابلة للعلاج بمسكنات القوانين الحكومية التي تخطئى الهدف في أغلب الأحيان، لكن وحين نفقد الثقة بمن في يدهم تغيير المنكر باليد ينبغي أن لا نفقد الثقة بمن يمكن أن يغيره بأضعف الإيمان وهم الصيادلة الذين يملكون إخراج قسم المهنة من إدراج الدواء العبقة بنكهة الصحة حتى يكونوا على الأقل في مستوى القول والعمل بدلاً من رفع شعارات دوائية مبطلة لمفعول المبادئ والقيم أو مسكنة لها! الوعي الدوائي يكاد يكون مفقوداً في وطن لا يحصل فيه الفرد على حصته الكاملة من الصحة النفسية والاجتماعية والوظيفية الكافية، حيث أنني أؤمن أن الاستقرار الأسري والوظيفي والروحي له مفعوله على معنويات الإنسان المرتفعة وبالتالي الصحة الجيدة، فالجميع يعلم أن الدواء حالة طارئة والأصل أن الإنسان مفطور على العيش ضمن سلسلة سببية من مقومات الصحة والعمل والأمل!.
إن الأمانة العملية والمهنية تحتم على هؤلاء الصيادلة أن لا يغادورا مساحة الصحة والدواء إلى مربع التجارة الجائرة الذي تفرضه سياسة سوق العمل والذي جعل الدواء سلعة استهلاكية غير مشروطة بتداول قانون منظم، الغريب في الأمر أن حالات التسمم أو التراجع أو الانتكاس التي تحدث جراء وصفات خاطئة عشوائية لا مسؤولة لا تُرصد بمنهجية عملية تسمح بتفادي وقوعها بل يتم تهميشها وكأنها أخطاء إملائية وقعت في كراسة طالب لا تتعدى الصف الثاني الابتدائي، فمتى نصل إلى درجة الوعي الكافي بتلك المهن الشفافة التي تحاكي روح المرء وإنسانيته قبل جسده؟!.
ألطاف الأهدل
صيدلي يا صيدلي.. 2192